القطيع المسروق
القطيع المسروق
حماد صبح
همس لزميله : ربما سرقها !
لم يرد زميله بكلمة ، وركز عينيه في الشاب الذي كان يسوق ستة رؤوس من النعاج والخراف في اتجاههما .
همس ثانية : لنحقق معه !
رد زميله دون أن يرفع نظره عن الشاب الذي يقترب منهما : اسأله هل هي له !
بادرهما الشاب بالسلام دون أن ينظر إليهما ، فسأله عمار أول الاثنين استرابة في أمره : لو تسمح ، هذه نعاجك ؟
فأجاب الشاب باقتضاب : نعاج من إذن ؟!
انتبها إلى أنه لا يرفع عينيه إليهما ، فكبر شكهما فيه .
قال عبد الرازق : هويتك ، لو تسمح !
رد حادا : ليست معي .
وشد طرف جيب قميصه الأزرق توكيدا للنفي .
وانشدت عيون الثلاثة دفعة واحدة إلى دوي راعد مصحوب بسحب ضخمة من الدخان والغبار . قصفت طائرة منزلا في الجنوب منهم .
عاد عبد الرازق يكلم الشاب : تعرف . سرقت أغنام بعض الناس من بيوتهم الخالية . حرب وموت ، وناس تسرق .
قال الشاب ضاربا خروفا مال يأكل من عشب حافة الطريق : لست سارقا .
قال عمار : اسمك !
وسحب هاتفه من جيب سترته الرمادية التي لا كم لها .
قال الشاب : من أنت حتى تسأل عن اسمي ؟!
فتدخل عبد الرازق : ألا تقدر من نحن ؟
فرد محتدا : حتى لو قدرت . هذه غنمي .
وركل بقدمه نعجة يحثها وبقية القطيع على السير .
قال عمار يطلب منه التمهل : نكلمك بالحسنى ، تكلمنا باحتقار .
_ لم احتقر أحدا .
قال عبد الرازق وقد تحرك قليلا أمام الشاب ليستبطىء حركته : نحن أمن .
_ عارف .
_ ما دمت تعرف ، لماذا تتصرف بهذه الطريقة ؟
_ أهنتني مع صاحبك .
ورشق عمار بنظرة تنضح بالاحتقار .
وفجأة ثغت نعجة رانية صوب الغرب في الطريق ، وانطلقت تعدو وخلفها بقية القطيع ، واندفع الشاب يعدو شمالا وسط حقل شعير محصود ما زال فيه بيدره دون درس بسبب الحرب . حدق الشرطيان السريان في الجهة التي عدا فيها القطيع . رأيا رجلا وسيط البنية يلبس جلابية ويلف رأسه بكوفية حمراء . عرفت الأغنام صاحبها الحقيقي . توقفت عنده رافعة إليه رؤوسها ومتزاحمة حوله في مودة واشتياق مثل أبناء عاد أبوهم من سفر .
رفع الرجل صوته ليسمعه الشرطيان : المال يعرف أهله .