باع حياته كلها واشترى فيها دبابة
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
حركة بعيدة عنه تسير في الشارع , كتلة ضخمة بألون متعددة , تمشي ببطئ وعلى جانبيها ووراءها يسير عدد من الأشخاص , يفرك عينيه يحاول أن يرى المشهد المتحرك أمامه , تتضح الرؤية أكثر فأكثر
يقول لنفسه مخاطباً
لقد عرفتها , إنها دبابتي والتي أفنيت عمري فقراً وحرماناً حتى دفعت ثمنها , إنها هي
هي بذاتها
إنها جميلة فعلاً , وكم تتناسب ألوانها مع ألوان الجنود الذين يمشون وراءها بلباسهم المموه
لست نادماً البتة على تضحياتي في سبيل الحصول عليها , هي بالفعل تستحق , إنها ترعب العدو حتماً , وهؤلاء الأبطال سيطهرون الأرض المحتلة وراءها
يبتسم ابتسامة عريضة , تظهر الإبتسامة عن رجل لايحمل في فمه أسناناً , ككهف عميق بدون نتوءات على جانبيه
تنقلب ابتسامته فجأة لملاح مرعبة ترتسم على وجهه ويفغر فاه ويقطب حاجبيه ويركز نظره صوب الدبابة والجنود
ياألله ماهذا ؟ يستصرخ في داخله
هناك شخص مرمي في الشارع ,إنه شاب أنا أعرفه جيداً , إنه ولدي خالد
حاول أن ينهض من مكانه فخانته قدماه
جلس حائراً حاول الصراخ فلم يقدر انقطع صوته
إنها دبابته تتجه باتجاه خالد وهو ملقي على الأرض , تحرك ياخالد , تحرك يابني قبل أن تطحنك الدبابة , ولكن صوته لايخرج , وحتى لو خرج فلم يسمعه , من صوتها الهادر ومن أصوات الجنود حولها
تعلو الدبابة فوق جسد خالد , هي لم تطحن جسده في البداية
يأمر الضابط قائد الدبابة بالعودة مرة أخرى , وتمر على جسده وتمزقه قطعاً قطعا تضيع بين حلقات جنزير الدبابة
يقع الرجل مغميا عليه
الجنود تضحك وتسخر من المنظر
لقد أصبحت عظامه ولحمه مسحوقة
يقول الضابط : آمر الجنود بعد وقوف الدبابة , اجمعوا هذا الجسم المسحوق واجعلوه في وعاء ذهبي وارسلوه إلى القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ورئيس الجمهورية وعائلته فهو غذاؤه المفضل
فلقد تعبت معدته من أظافر الأطفال , وعيون الشباب , ومخ نساء بانياس , وشرب الدماء فأرادها اليوم أن تكون وجبة عشائه هو وعائلته جسم شاب سوري بكامله , وشرط أن يطحن بجنازير الدبابة والتي اشتراها أبوه
على مدى أربعين سنة هذه الوحوش الحاكمة في سورية تتفنن في غذائها وتنوع مصادر طعامها وشرابها , فالدم البشري هو شرابها المفضل , والشرط الوحيد هو دم السوري , وطعامهم لحم البشر , فمن أنواع الغذاء عندهم قطع تنتزع من الأجساد وهي حية في المعتقلات لتقدم في الغداء أو العشاء أو الفطور , ومنها مايخمر تحت الأرض في مقابر جماعية , لكي تنعم بالديدان وتصبح شهية لديهم , وهي منتشرة كثيراً تلك المخامر في المدن السورية وعلى الأخص في حلب وحماه والآن في درعا وفي حمص , ودمشق وتدمر
فالشعب السوري يعيش في فقر وحاجة ماسة ويطوف في دول العالم بحثا لكي يوفر حق السلاح , وعند ظنه أن هذا السلاح هو لحمايته , ولم يخطر في نفسه أن هذا السلاح هو لقتله وتقديم جسده طعاما لهؤلاء الوحوش
يصحو الرجل من غيبوبته لينده بكلمة واحدة أين دبابتي؟
يفتح عينيه يتلفت حوله يتذكر حلمه , يركز على المكان الذي سحق فيه ابنه , لايرى شيئاً
يقول الحمد لله إنه حلم , ينهض متساقلاً يعتريه الشك
ليس حلما إنه حقيقة
يتقدم بخطى متثاقلة للمكان , وعندما يصل تنهار قواه ويسقط أرضاً لاحراك فيه
ليلحق بفلذة قلبه مع قطع لم تنتزع من بيت حلقات دبابته الحبيبة