البحث عن خربوش

د. كمال أحمد غنيم

[email protected]

جاءني على غير موعد، وقال لي: صديقك خربوش غاضب منك!

قلت: لماذا؟

قال لي: لأنك كتبت عنه في الجريدة!

قلت له: من قال له إنني كتبت عنه؟! إن ما أكتبه هو وفق الهدي النبوي، الذي يقوّم الخطأ دون تحديد من يقوم به، فعندما وقعت بعض الأخطاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟!". والدبابيس ليست رصاصاً، ما هي إلا دبابيس في الهوا قد تصيب بعض البلالين فتنفجر، لكن صدقني إن انفجارها ليس ذنبي، فأنا لا أقصدها تحديداً، والدبابيس اسم فكاهي لنقد الذات والسعي الإيجابي لتصحيح المسار لا أكثر ولا أقل، وإذا أردت أن تشطب الدبابيس فلك أن تستبدلها بنقطة ضوء أو قطرة ضوء أو حكايات ضاحكة.

قال لي: أنت تحدثت عن أشياء قام بها فعلا، ويعرفها الناس عنه!

ضحكت من قلبي وأنا أقول له: يا صاحبي، ما رأيك أن هذا هو عاشر خربوش يرسل لي رسالة مشابهة، فهل كنت أعنيهم جميعاً، صدقني، أنا أقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، لكن زماننا غير زمن النبوّة، فالصحابة كان الواحد منهم يصلح من نفسه أولا بأول ويسألون عن الشر كما يسألون عن الخير مخافة الوقوع فيه، أما نحن في القرن الحادي والعشرين فلا نحتمل النصيحة مهما خفّ وزنها حتى لو كانت في حجم قطرة ضوء أو دبّوس صغير لا يخدش إلا بالون خارج عن النسق!

قال لي: حدّد ما تكتب عنه، وكن واضحاً، ولا تختفي وراء الكلمات!

قلت له: كلماتي واضحة، وموضوعاتها محددة، ولا أختفي وراء كلماتي إلا كما يختفي المحارب وراء سيفه، أو دبوسه، ومعركتي مع الخطأ في كل مكان، أسير فيها وراء نبي الرحمة المهداة، الذي اُتهم بالتفريق بين الأب وابنه والأخ وأخيه، والزوج وزوجه، وكانت التهمة باطلة، لأن الله الخالق العظيم والمطلع العليم، قال عنه وعن رسالته التي حملها وضحّى في سبيلها في معرض الوصف لا الدفاع: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(الأنفال63).

قال لي: يا صاحبي، ماذا أقول لصديقك خربوش؟! هل كتبت عنه أم عن غيره؟! أم أن الأمر مجرد تشابه في الأسماء؟! أنا أدرك أن ما تكتبه لون من الأدب، والأدب الصحفي تقريباً، وأدرك أن الأدب يعتمد على الخيال أكثر ما يعتمد على الواقع، لكن لا تجعل أدبك وخيالك يفسد علاقتك بصديقك أو بجمع كبير من الناس.

قلت ضاحكاً: أيحتاج الأمر إلى توضيح أكثر من ذلك؟!

قال: نعم، ينبغي أن تضع فوق كل كلمة تكتبها ما يكتبه كثير من الأدباء في مقدمات رواياتهم أو قصصهم: "إن أي تشابه غير مقصود يقع بين الأسماء والأحداث هو من باب الصدفة، ولا علاقة لما يرد في كتابنا بأية شخصية أو أحداث مشابهة لها في الواقع".

قلت ضاحكاً: وأعطيك أكثر من ذلك!

قال مستغرباً: كيف؟

قلت: أقول بكل وضوح: لا يوجد شخص حقيقي اسمه خربوش، وأنت نفسك من أبناء وبنات أفكاري، ولم يراجعني أي خربوش فيما كتبت، ولا غضب مني أي صديق أو صاحب، لكن ما أكتب –بما فيه هذا الحوار- هو حوار خيالي لا ينأى عن الواقع ويجسّد أشياءً وأشخاصاً وأحداثاً قد تقع في زماننا أو في أي زمان، لأن طبائع النفوس هي هي في كل عصر وفي كل مكان!

قال: والله عدّاك العيب! لكن بالله عليك قل لي الحقيقة: من هو خربوش؟!

قلت وقد أذهلتني طبيعة الحوار: هو كل من يرتكب خطأ صغيرا أو كبيرا من الأهل والأحبة والأصدقاء، هو أنا وأنت وصاحبك المتخيّل الغاضب! هو كل صاحب بالون يشكّه الدبوس في لعبة الحياة! وهو كل مختفٍ وراء قناع من الأقنعة يحسب أن الله غير مطلع عليه في لحظات الغفلة! هو صديقي الذي أخشى أن يحاسبني الله لأنني لم أكن مرآته التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن مرآة أخيه المؤمن!!

قال صاحبي: لكن قل لي...

قلت له مقاطعاً: بالله عليك لا تسألني للمرة المليون من هو خربوش؟؟؟

والسلام،،،