خنساء درعا

د. صالح الصالح

الله أكبر... الله أكبر

نداء الصلاة الخالد يتردد في سماء درعا

كان أبو  متمم  قد استيقظ قبل ذلك... توضأ وصلى ماشاء الله له أن يصلي

كانت دموعه تغالب كلماته

"اللهم عليك بسفاح الشام وجنده وأعوانه

اللهم يا مالك الملك.. اللهم يا معز أعز جندك

اللهم يا مذل أذل سفاح الشام وجنده"

يعرف أبو متمم أن ليلة أمس كانت ليلة عظيمة...

فجند الطاغوت عاثوا فسادا في البلد.. قتلوا من قتلوا واعتقلوا من اعتقلوا.. ثم عربدوا.. فشربوا الأنخاب فرحا بانتصار زائف على شباب غض ينشد الحرية ويريد الانعتاق من ربقة الظلم..

أسرع أبو متمم  فأيقظ ابنيه

الصلاة.. الصلاة

هب الشابان من نومهما.. كانا محظوظين.. فلم يعتقلهما جنود الظالم

توضآ ومضيا مع الوالد المسن إلى المسجد المجاور

لحظات قليلة وإذا برصاص الغدر ينهمر عليهم.

حاولوا الابتعاد عن الرصاص المنهمر.. ولكن دون جدوى

كانوا يسيرون في ساحة مكشوفة..

كان الأخوان خائفين أن يصيب الوالد العزيز مكروه..

أحاطا به من الجانبين حماية له..

اذهبا.. أسرعا.. أنا بخير.

رفض الأبناء الأمر.. وماهي إلا لحظات حتى سمعوا صوتا

آه..

أبي.. أبي..

لم ينطق الأب بكلمة...

لقد اخترقت رصاصة الغدر قلبه الكبير... قلبه العار ف المحب لربه

حملاه بسرعة ولكن.. دون جدوى.. فالرصاص ينهمر.. سقط الأول.. ثم تبعه الثاني..

في البيت كانت الأم والأخوات قد استيقظن على صوت الرصاص

أين أبي؟ اين محمد و متمم؟ سالت زينب أمها؟

لقد خرجوا إلى صلاة الفجر.. قالت الأم

اللهم احفظهم... اللهم احفظهم.. قالت زينب الإبنة الكبرى

نظرت الأم من النافذة لعلها ترى شيئا  ولكنها لم تستطع.. فجنود البغي قطعوا الكهرباء عن الشوارع..

انتظرت الأم وبناتها مدة انقضاء الصلاة  ولكن لم يعد أحد

أخذت الوساوس تقلق الجميع

اين أبي وإخواني؟ سألت وردة  البنت الصغرى أمها

لا أعرف..

أمي... أنظري.. تلك سيارة إسعاف تقترب

نظرت الأم .. رأت في ضوء السيارة أشخاصا يحملون ..

لم تتبين هوياتهم

ولكن نبضات قلبها تسارعت..

زينب.. زينب.. نادت الأم بأعلى صوتها

ماذا.. ماذا

البسي حجابك.. سنذهب لنر ماذا يحدث

هيا.. هيا

خرجت الأم وزينب وبقيت وردة تحمي البيت ومن بقي من الأطفال

كانت سيارة الإسعاف على وشك المغادرة..

آه.. من هؤلاء؟ سألت الأم المسعف

ثلاثة رجال، شابان ورجل مسن..سقطا برصاص الغدر... تمتم أحد المسعفين موجها كلامه للأم

لم تترك الظنون الأم.. افتح الباب.. أريد رؤيتهم.. لقد خرج زوجي وابناي للصلاة ولم يعودوا

فتح باب السيارة فإذا ثلاثة رجال تشيع منهم روائح المسك..وعلى شفاههم بسمات..

كادت أن تسقط الأم على  الأرض. ولكنها تمالكت نفسها

الحمد لله.. الحمد لله..

أما زينب فقد سقطت مغشيا عليها..

حاولت الأم إيقاظها.. ولكن لم تفلح

اقترب المسعف منها .. جس نبضها.. وجدها قد فارقت الحياة

اربعة في ليلة واحدة.. يا الهي.. الحمد لك.. قالت الأم بتنهد ....

انطلقت السيارة مسرعة إلى المشفى القريب وعادت الأم مسرعة إلى البيت

كانت الأم تعرف أن جند البغي تمركزوا  بعد ليلة الأمس في مركز الشرطة القريب

اسرعت وردة تسأل أمها؟

أين أبي؟ اين محمد؟ أين متمم؟ أين زينب؟

اذهبي غلى بيت عمك.. أنا ذاهبة وسأعود بعد قليل

أمي.. أمي..

فلت لك اذهبي بأخواتك إلى بيت عمك.. هيا.. أسرعي...

لا....سأنتظرك هنا وسأتصل ببيت عمي بعد قليل..

أما الأم فقد نزلت إلى القبو فأحضرت رشاشا احتفظ به زوجها كعادة أهل البلد

أخفت الرشاش  تحت معطفها وانطقلت إلى المركز

كان المركز داخل شارع صغير ضيق وليس بعيدا عن البيت

ماذا تريدين؟ سألها الجندي الواقف على ناصية الشارع

أريد رئيسكم..؟

وماذا تريدين منه؟

لدي أخبار عن المندسين الذين يعكرون صفو البلد ويقتلون الأبرياء؟

ماذا؟

تفضلي.... هو هناك. كان الجندي  قد اتصل برئيسه وأخبره بقدوم المرأة.. فخرج ومعه ثلاثة من عبيده

في الاثناء أخرجت رشاشها ..

فما هي إلا لحظات حتى كانت تصليهم بنار رشاشها..

قتلت الرئيس واثنين  من عبيده..وسقط الثالث جريحا...

وفي لحظات...

جاءت رصاصة  غادرة اصابت كتفها  من أحد ميليشيات النظام كان  تمركز فوق عمارة قريبة

سقطت الأم

أسرع الجند إليها وهم يريدون معرفة هويتها

لا تقتربوا... أيها الأنذال.... تريدون قتل امرأة

هاهي الجولان.. بضعة كيلومترات... أرونا شجاعتكم أيها الجبناء الطائفيون...

اسكتي وإلا أفرغت الرشاش في رأسك

هيا.. هيا.. قالتها الأم وهي في حالة شديدة من الألم

أيها الأنذال.. أيها الجبناء....

لقد قتلم رجلا مسنا وشبابا في عمر الورود.. فماذا تريدون؟ قتلي شهادة

هيا.. اقتلوني... ولكن أريد أن أقول لكم قبل أن ألقى أحبتي

أيها الجبناء.. قولوا لرئيسكم الحقود.. الجبان... أسير طائفيته الحاقدة وظلمه

أسد علي وفي الحروب نعامة

ستلقى مصير مبارك وبن علي والقذافي وجميع الظلمة...

قولوا له

" وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون"

قلت لك اسكتي أيتها ....

أنا لست كما تقول أيها الجبان..

لم يمهلها طويلا... صوب رشاشه نحوها

قارتفع صوتها

أشهد أن لا إله إلا الله..وأشهد أن محمداً رسول الله.....

الحمد لله.. الحمد لله.. اطمئنوا..

قالتها أم الرجال.. لقد ثأرت لكم.. وانا قادمة إليكم...

في البيت كانت وردة تحاول معرفة ما يجري

لم تستطع الاتصال بعمها فالهواتف عطلها  جند الظالم

كانت أختاها نائمتين .. تركتهما وتسللت ‘لى بيت العم المجاور

طرقت الباب.. فلم يرد أحد.. اعادت الطرق مرة أخرى.. فإذا بالعم يعود مسرعا  من المسجد فوجدها بالباب

ماذا تفعلين هنا؟

عمي.. لقد خرج أبي ومتمم ومحمد وأمي وزينب ولم يعد أحد

ماذا؟ فعلاً .. أنا سمعت طلقات نار ولم أر أحدا منهم في المسجد..

ادخلي يا ابنتي

لا أستطيع فأخواتي في البيت نائمات

لا بأس.. ادخلي الآن...

وماهي إلا لحظات حتى سمع العم طرقا عنيفا على الباب

سترك يا رب.. قال العم

من بالباب؟ لم ينته من الكلمة حتى دخلت مجموعة من المسلحين بلباسهم الأسود ... ومقنعين..

هيا.. تعال معنا؟

إلى أين؟

لم يمهله أحد البغاة.. فضربه بكعب بندقيته على رأسه

ستكون في ضيافتنا أيها العجوز الخرف...قالها أحد الشبيحة...

جاءت زوجته بسرعة

إلى أين تأخذونه؟

"مش شغلك" قالها أحد المجرمين وهو يدفعها إلى الخلف

كانت سميرة تسمع الحوار العنيف بين أبيها و الشبيحة

فأسرعت إلى غرفة مجاورة وأخرجت رشاشا

وفي لحظة  خرجت وصرخت  بأعلى صوتها

أيها الأنذال.. أيها الجبناء.. خذوا..

فانطلقت رصاصاتها تخترق أجساد البغاة فيسقطون الواحد تلو الآخر...

سمع الجنود الواقفون خارج البيت أصوات  الرصاص فاندفعوا مسرعين.. فعاجلتهم البنت بصلية أخرى فتساقطوا كالذباب..

لقد قتتهم جميعا... ثمانية  من أسود تحرير درعا!!!

استيقظ الجيران على الأصوات الرصاص ولكن أحدا لم يستطع الاقتراب حتى اطمئنوا إلى التخلص من هؤلاء الفجرة

سنحمي حارتنا بأجسادنا ودمائنا.. قالتها مجموعة من الشباب الذين لم تطالهم يد الغدر..

لنحرس حارتنا .... هيا يا شباب

هؤلاء المجرمون الطائفيون لا يعرفون حرمة ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.. قالها الشيخ أحمد...

توزع الشباب على مداخل الحارة.. يحملون قلوبا محبة لبلدهم.. وعصيا بأيديهم...

وبعد ساعة كان هدير دبابات الظلم ومدرعاته تصم الآذان...

إنها جولان الأسد يريد تحريرها من  يهود

لم ينذروا أحدا.. ولم يمهلوا الأطفال والنساء للخروج من المنازل

انهمرت طلقات الرشاشات والقذائف على الحي ...

استمرت عملية تحرير جولان درعا نصف ساعة فقط.. فجند الاسد رجال شجعان...

وفي أحد البيوت المحتلة من قبل الأسود الطائفيين جلس بعضهم متحلقين حول شاشة تلفاز سوريا الممانعة  والمقاومة

عاجل

وصلنا للتو

لقد تم فجر اليوم  في درعا الإباء القضاء على زمرة من المخربين والمندسين الذين جاءوا من بلد مجاور لتعكير صفو الأمن..

لقد استشهد أحد عشر جنديا وجرح خمسة عشر برصاص المندسين والخونة ...

 فليسقط الخونة و العملاء..

فليسقط عملاء الامبريالية و الاستعمار

فليسقط الرجعيون

فليسقط الظلاميون

عاشت سوريا الأسد.. عاش حزبنا الخالد...

النصر للأسد.. النصر   لحزبنا..

وفي أحد البيوت المجاورة  كان صوت يصدح

"أماه ديني قد دعاني للجهاد وللفداء

أماه إني زاحف للخلد لن أتردد

أما لا تبكي علي إذا سقطت ممددا... فالموت ليس يخيفني ومناي ان استشهدا... ومناي أن استشهدا...."