الأغنام مَََهََرََ العروس
حسين كري بري
القريةُ هادئةٌ هذا الصّبَاح ,ومناخها يفوق جمالها, وسهولها الخافتة تجعل من القريةِ صورةٍ كلاسيكيةٍ جميلة,المصاطبُ المتعددةَ غنيةً بالمروجِ , والشمسُ النائمة تصحو ,
تبدأ الأغنام - عبارة عن غنمان وخروف - بسرد مأمأتها التي عملت جاهدة لإيقاظ (محروس) من نومه الذي قضى يومه كله يبني غرفة يسكن فيها مع عروسه الآتية بعد خمس أيام, إلا أن (محروس) نام بثيابه المرسومة بالصلصال........................
-العروس..... إنها الضيفة الآتية الدائمة يا ولدي , تقولها الأم وهي تمعن النظر إلى ابنها الغارق في النوم,
محروس... محروس يا ولدي , قمّ لتملئ أبطن هذه الحيوانات,قمّ يا ولدي...
- حاضر أمي, يقول محروس وهو يشعر بتهشم في أضلعه.
قام من فراشه، وفتح عيناه وفركها بأنامله المُتربَة ، يَمَدّدُ ذراعيه وجسمه, ومشيته تموج كأنه كان يجالس الخندريس,
فوالدته البالغة من العمر الخمسين تعلم بأن عليه إخراج الأغنام ,وكلّ هذا وذاك فالمرض لا تترك جسدها , في هذا العمر في الخمسين سنة ليس على المرء القدرة على إخفاء الألم والحسرات، فهي ضعيفة الحركة ، كثيرة الفكر ، ضعيفة البصر والسمع، وأوجاع الهام وفي قدميها اللتان تشكوان من العليل، في أكثر الأحيان............
ذهب إلى أمه ,ليأخذ قُبْلَة من يديّها, فظهرتْ على وجهها ابتسامة من الصلصال المنبت على هيئته, تغسل وذهب إلى الأغنام , فهو لا يتأخر عليهم أبداً,
فالأغنام مَهَرَ العروس,
بدأت الأغنام مرة أخرى بالمأمأةِ لِتشاركها أغنام القرية كلها,
حمل محروس معه القِرى قطعة من الخبز والبصل والملح وماء - أعدّته أمه قبل دَبَرَهُ للقرية-.
وفي يده الآخر عصاه – الذي هو مفتاح الزواج -
وأخذوا المواشي برفقة الراعون إلى المكان المعتاد.
ولم تمر ساعتان حتى سمع محروس صراخ الأطفال، وبكاء النساء وهنّ ينشرن الويل ، وحشود الناس المؤدي للإغماء في دار الأم المريضة،
أعتقد الناس بأن أم (محروس) قد ماتت....
سكن الرعب في قلب الراعي محروس وأرتجف قدماه ، وتبرد لسانه، شك بأمه التي تركها على فراش المرض، فترك أغنامه مع أغنام جاره وبسرعة زائدة أنطلق إلى القرية، وكان الناس في بيته، أحمر عيناه اعتقد بان أمه قد فارقت الحياة،
- إنها حية ولكنها في غيبوبة, صدر من الحَشد.
- أمي .....أنا هنا
- ضربات قلبها بطيئة وتنفسها حرجةً, قالت إحدى النسوة.
- أمي ....أبقي لا أريدك أن ترحلي .
- يجب أخذها إلى الطبيب, قال الجار.
- وقال أحدهم : لنأخذها يا محروس إلى العيادة.
- لتكن العيادة المناوبة. يتصاعد الأصوات ويتلاقى في الأعالي.
- كاد محروس يقول: كيف لي أجر الطبيب؟
و ببغتة من( نفس محروس المُدْرِكَة) : الأغنام يا محروس, يجب بيعها من أجل أمك السقيمة.
- إنها مهر العروس , وأن أمي بلغت الخمسون وليس للطبيب أية نفع, يرد على نفسه.
- ( نفس محروس المُدْرِكَة) : ولكنها أمك التي حملتْك الشهور التسع, كنتَ فِجٌّ وربّتَك, وكيف تسعى في الحياة بعد مَنيَّّة والدك.
غَزْر الدموع بعينيه , وسارع إلى بَيْع الأغنام .
وأخذ أمه إلى طبيبٍ خاص.
كشف الطبيب أمه بعد أن دفع (محروس) له ثمن معاينته والفحوصات.
- قال الطبيب: لنضع الأمر بيد الله ويجب أن تبقى في العيادة حتى الصباح – الطبيب عرف مرضها وعرف بأنها راحلة غير راجعة , فترك الأمر بيد الله –
وبعد ساعات من القلق والحزن رأى امرأة حبلى مُنجدَ على وشك الولادة ,
وبعد هنيهة أَنْجَبَتْ صَبِيّاً فأذّنَ في أذنه الأب .
غَوّصَ في بحر التفكير والتساؤلات ,
- هل يا ترى سيشبه المولود أباه , ويسلك دربه في الحياة ؟
- أم أن دروب الغد سيَوُصِدُ أمله , ويتعثر بحجر الطريق,
وفي دوامة الشرود , مرّت بجنبه طبيب أمه.
- كيف هي أمي يا دكتور,أوقفه بوضع يديه الباردتين المرتجفتين على كتفه.
نظر إلى عينه الممتلئ بخوف , وطبطب بيده على كتفه وقال:
- تستطيع أخذها في الصباح. وتابع إلى غرفة المعاينة, دون أخباره , هل سيأخذها بحسنٍ أم بكفنٍ؟.
مرّت بجانبه الأب والأم والمولود الجديد , نظر إلى الطفل كأنه ينظر إلى أملٍ على طريق الخيبة .
- مبارك مـــا.......قطعه الأب بابتسامة عريضة .
- (تسلم يا أخي الله يعطيك ما يرضيك ), وتابعوا العودة ولكن بسرعة أكبر.
- (يا ولدي .....ابني أستيقظ أنه الصباح). تَمُرّ كلمات الطبيب إلى أذنه.
أرتعد وناد أمه .
-أمي..
- البقية بحياتك , قالها بتألم لأمره .
- ماذا...؟أمي ....لاااااااا.
- حينها قال النفس المُدْرِكَة : أمي رحلت وأخذت أغنامها والعروس معها.