قصة ثورة

قصة ثورة !

أبو الفضل الشامي

صمتٌ رهيبٌ خيَّم على مدينة الأشباح ، وسكون كسكون المقابر ، فلا تُحسُّّ منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً .

أوصد جميع الأبواب والنوافذ والمسامات ، والتفت يمنة ويسرة ، ثم همس في صيوان أذن زوجته اليمنى !.

قالت ، وقد امتقع لونها : صهْ ... صهٍ ... اسكت !!... اخفض صوتك ... استرنا يا رجل ، الحيطان لها آذان !.

*  *  *

سَمِعْتُ خشخشة عند الباب !... أَصْغَيْتُ بسمعي وقلبي ... ارتعدت فرائصي ، وتغير لوني ، وجف ريقي ، لكني تجلدت وتماسكت ، واصطنعت السكينة والبرود ، وأظهرت حالة من الشجاعة لم أعهدها عندي من قبل!! .

استرقت النظر من وراء ستار ، فلم أر شيئاً !! . فتحت الباب ، فإذا هرة تعبث .... ضَحِكْتُ من كل قلبي ، ورجَعَتْ إليَّ روحي!..

أوصدت الباب بإحكام ، ورجعت إلى زوجتي التي كانت قد جمدت هي الأخرى في مكانها !. قلت لها : لن تُراعي ... لن تُراعي ....إنها هرة تداعبنا !. ضحكت من كل قلبها وضحكنا . وقبل أن تنتهي الضحكة ، وصل صوته قبله . اقتحم البيت ، وهو يصرخ ويلهث :

خرجت البلد على بكرة أبيها !.

*  *  *

وثب الأب نحو النافذة ، وفتحها ، ليستطلع جلية الأمر ، ومطت زوجته رقبتها ... هدير الجماهير أخذ يقترب ، وقد ملأ الفضاء ..... كرَّ الولد راجعاً من حيث جاء ... صرخت به أمه ليرجع ، لكن استغاثتها لم تُجدِ ، وتبددت حروفها المذعورة في الفضاء ، وضاعت مع أصوات الجماهير التي طغت على كلِّ شيء .

ظنها كالعادة رغاءً وزبداً ، وأنها جموع حُشِرت وسيقت كالقطعان للتأييد . أصغى جيداً ... تأكد له في وجدانه وحسه أنها نبض أمة ... اهتزت كل خلاياه ... سرت طاقة غريبة كالكهرباء في أوصاله . لم يطل الأمر ... ليس هناك فرصة للتفكير .... اقتفى خطى ابنه . انطلق لا يلوي على شيء إلى الشارع الذي ازدحم إلى حد الاختناق ، ليلتحم بالجماهير الغفيرة التي خرجت بقضِّها وقضيضها ، لتعلن ثورتها الكبرى ، وتهتف بسقوط الطاغية !.