موت منكوس المهرج

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

مسرحية شعرية في فصل واحد موجز:

[المنظرُ: جثمانّ فوق رصيف الشارع، صاحبهُ يبدو كهلا مفتول العضلات طويل القامةْ، أعْرَضُ ما يه قَفاهْ، يتجمعُ بعضُ المارةْ ويدورُ حوارّ لا يخلو من حُزنٍ واستغرابْ ]

الأول: رحمةُ الله عليه، كيفَ ماتْ؟

الثاني: شكلُه ليس غريبا.

الثالث: بل غريبٌ غجريُّ..

رُبَّمَا.

الرابع:      يا جماعه. ذاك أمْرٌ لا يُهم. أكرموا الميتَ غطوا وجهَهُ، ريثما يحضرُ مسئولٌ محقَّقْ.

الخامس: هات جُرناَلَك من فضلك كيما نستر الوجهَ بهِ.

السادس: خذه واترك ليَ أخبار الرياضهْ، فبها تحليل "متْشاتِ" الزمالكْ.

الثاني:      آه.. إِني قد ذكرتُهْ.. أعرفه.. أسمه الحركي "منكوسُ المهَّرجْ". وافد لا نعرف أيان
ومن أين أتى. (غجري
ُّ) هكذا قال المعلم "أبّههْ" مستدلا بوشمات على زنديه والصدر وجنبي جبهتِهْ.

السابع: يا سلامْ!! كيف ماتْ؟ فجأةً؟

الرابع: فجأة.. أو غير فجأةْ، ليس للموت كبير يا جماعةْ.

الثامن:      كان بالأمس بميدان "الحداقة" –قد رأيته- عارضا فنا عجيبا، فتحدى خمسة قد كتفوه بجنزير حديد، في دقائق فك نفسه، غير لوح من زجاج يمضغه، دون أن يُؤذَي بخدش واحدٍ، بين تصفيق مدوّ، وهتافات تعالت: "عاش منكوس المهرج".

التاسع:     يا جماعة. قد نسيتم أظهر الملكات فيهْ: كان "أستاذًا" يجيد الرقص كله: غجريا.. بلديا.. وفنون الزار والجاز وموسيقي النّـوَرْ.

الثاني:      كان عملاقا وموهوبا ولكن كيف مات؟

التاسع: ربما قد مات من ضربة شمس.

الثامن: في يقيني أن ما قلت حقيقةْ: ذات يوم قد سمعتهْ، قال في مقهى المعلم "أبههْ ": "أكره الشمس، وضوء الشمس والدفءَ، وأن أفتح شباكًا لنورْ. فأنا عشت حياتي أعشق المجهول والمحجوب والسر الدفين. وأحب الليل والبدر إذا كان محاقا".

[الزحام اشتد وامتد فسد الطرقات. فجأة: انشقت الأرض على صرخات ملتاع دميم السحنةِ –ينحنى فوق الجسد. يرفع الجرنال عن وجه الفقيد]

الرابع:      أنت يا هذا دع الميت للهِ.. فللموت علينا حُرماتْ.

الدخيل:     لا تُـراعُوا.. فأنا المنقذ المحجوب والموهوب والمحبوب معشوق الفقيدْ.

الأول:       فلماذا لم تبكّر بالحضور. قبل أن يُـدهَم بالموت الزؤام؟

الدخيل:     أنا.. لا أظهر إلا وقت "زنقهْ ". إنه سر حياتي.. أكل عيشي، إنه لو مات "منكوس" حبيبي لا يعد العيش في الدنيا بعيش.

السابع:     (باستغراب): إنه لو مات ؟؟!! هل عميتْ ؟ إنه شبعانُ موتًا..

الدخيل: لاتراعوا.. لم يزل في الوقت فرصة.

[ينحني هذا الدخيل "المنقذ" فوق جثمان الفقيد، معطيًا إياه "قبلات الحياة". ويطيل النفخ حتى تجحظ العينان منه]

السابع:     لا حراكْ.. جسدُ المنكوس مازال بلا أدنى حراك!!

[ويوالي المنقذ النفخ بلا جدوى . وفجأة: يسقط النافخ- كالمنفوخ معدوم النّـفَسْ ]

الأول:       لا إله إلا اللهْ. سقط (المنقذ) لا حسّ بهِ.

الرابع:      وحدوووه.. أمره إن قال: "كن" للشيء "كان" . يستوي المشهودُ والمحجوبُ فيها، فانظروا: جَمَعَ الموت هنا ما بين " منكوس مهرجْ " ودعِيّ زعم القدرة في منح الحياهْ ، فهوى كالحائط المشروخِ معدومَ الحياهْ ..

ستار