السوداء الخضراء
إيمان شراب
[email protected]
جاءت صديقتي لتهنئتي بالسنة الجديدة ..
قلت
لها : تعالي أريك ريشة ألواني ماذا رسمت ! أو ماذا لوّنت !
قالت : ومنذ متى ترسمين ؟ ما عهدتك رسامة !
قلت
: حسنا – بمعنى أدق – تعالي أريك أنفاسي وخواطري .
قالت : لا أرى يا صديقتي إلا خربشة وبقع ألوان ولطخا هنا وهناك !
قلت
: لا تستعجلي ، انظري كم هي معبرة ومؤثرة هذه الخلفية !
ضحكتْ حتى دمعت عيناها ، وبدا عليها كمن يريد أن يقول ( لا تعليق ) !
تجاهلت وقلت : ألا ترين لوحتي تلفّحت بالسّواد ؟
قالت : أرى تلوينا أسود !
قلت
: إنه الحزن على عالم امتلأ فسادا وظلما وحقدا وفقرا وجهلا وجوعا .
قالت : وما هذه الخطوط الأفقية الزرقاء ؟
قلت
: أما هذه فهي كرامة العباد مختنقة .
قالت : كرامة ؟
قلت
: نعم . ألا ترين أنه لا كرامة ولا احترام لشعوبنا ؟ لا رأي ؟ لا حقوق ؟
أما
حقوق الإنسان فتُمنح حسب المزاج ربع مرة ، وتُمنع بنفس المزاج آلاف المرات .
قالت : بدأت أقتنع بلوحتك .. ما هذه الدوائر التي أعطيتها بروزًا واضحا ؟
قلت
؟ آه ! إنها البطون ، وقبل أن تسألي ، فهي بطون الأغنياء الذين يصرفون على حفل واحد
مئات الآلاف ، بل آلاف الآلاف ، وفي نفس المدينة مريض انطوى على نفسه في زاوية بيته
لا يملك ما يتعالج به ، أو مديون قهرته ديونه ونغصت عليه حياته ، أو طالب علم طموح
أرغم نفسه لترضى بالمتاح وواساها : أنْ لا بأس يا نفسي وكفى طموحا فلا مجال ولا مال
، أو عاطل عن العمل كان سيعمل هو ومئة غيره لو صرفت نصف أموال الحفل على مشروع !
إيـــه يا صديقتي ! لقد أثرت جروحي !
قالت : بمناسبة الجروح ، هل هذا اللون الأحمر- الذي يجري في كل زوايا اللوحة – دماء
؟
قلت
: دماء جراحي ودماء أبنائنا وأمهاتنا وآبائنا في فلسطين وأفغانستان والعراق
والصومال والباكستان و ....
قالت : دعيني أخمّن ، أعتقد أن هذه النقط دموع .
قلت
: نعم ، دموع الفلسطينيين ساكني الملاجئ والمخيمات والمهجرين منهم والمغتربين .
قالت : لا أستطيع ان أفسر هذا الشيء الذي بدا ككومة على الأرض ، ثم ما هذان العودان
الخارجان منها ؟
ضحكت وقلت : إنها سراويل ، جاهدها الشباب حتى لا تسقط ولكنها فعلت .. تخيّلي أن من
الشباب المسلم من يجاهد سرواله كي لا يقع ؟ صار للجهاد أبواب أخرى أخيّتي .
قالت : وهذه الخطوط المتقاطعة – بناء على أفكارك – سجون .. صحيح ؟
قلت
: هل تنكرين أن المسجونين دون سبب أكثر من المستحقين ؟
قالت : لازال في اللوحة غموض . مثلثات متداخلة ؟ ربما هي ؟
قلت
: إنها نجوم حكام الكرة الأرضية : أمريكا وإسرائيل . أو ابدئي بإسرائيل إن شئت ، لا
فرق .
قالت : وهذه الخطوط البرتقالية اللون في أماكن كثيرة من اللوحة ؟
قلت
: إنها إرهاب أمريكا الذي تتهمنا به ، وأعطت لنفسها سببا لإشعال النيران والحروب
في بلادنا ومنذ سنوات !
انظري إلى أفلامهم التي تدل على نفسياتهم الإرهابية ، فالقتل فيها والتعذيب وبكل
الوسائل من أول لقطة في الفيلم حتى آخر لقطة ، وانظري إلى ألعاب الأطفال والمراهقين
: دماء ترش ، ومناشير تقطع الرؤوس ، وسيارات تُنهب ، وبضغطة زر!!
وبعد كل مايفعلون نردد افتراءاتهم في حقنا ونقول : لا للإرهاب ، وغيره من الشعارات
!
قالت صديقتي : رويدك ، انفعلت ِكثيرا !
قلت
: والله لولا إسلام كامل جميل أنعم الله به علينا فهدّأَنا وبصّرنا ووعدنا النصر
والمثوبة والجنة لأصيبت عقولنا بالجنون !
قالت : لقد تعبت من لوحتك الحزينة هذه ، أريد أن أغير جوّا بجوّ .
قلت
: أترين هذه الأشياء الخضراء الكثيرة ؟
قالت : نعم أرى ، وخشيت أن أسألك عنها فتقولين إنها الرجل الأخضر غاضب وجاء يدمر كل
شيء .
قلت
: لا ، لا . ألا ترينها مبتسمة جميلة ؟
قالت مبتسمة : أراها أشبه بحرفي هاء وميم مشعّتين .
قلت
: رائعة أنت . هذه الهاء والميم سنوات هجرية وميلادية تعاقبت ، وبالرغم من كل شيء
هاهي نضرة مضيئة للخير الذي فيها : خير الإسلام ، خير الدعاة والمصلحين والمعلمين
والمجاهدين والصابرين وذوي الهمم والأهداف ، خيرنا أنا وأنت ، خيرأبنائنا الرجال
وبناتنا العفيفات الطاهرات ...
قالت : ولكن لم هذه الهاء وهذه الميم هما الأكبر والأكثر إشعاعا والأقرب ؟
قلت
: وهنا نهاية قصتي ، إنهما السنة الجديدة ، يشع منهما الأمل بأن نكون الأقوى والأعز
......
بعد
شهور أخبرت صديقتي بفوز لوحتي في مسابقة الفنون .
تعجبتْ وضحكتْ !
فقلت لها : قرؤوها بتفاؤل عال : ليل وقيام وسكينة ، شمس مشرقة وأمل جديد ، نهار
ونشاط وإنجاز وعطاء ، بحر هادئ وتأمل ، شجر وثمر، جبل وعزة وشموخ ، ضوء قمر وهلال
ويمن وإيمان وسلامة وإسلام ،.