جنون
يوسف هداي الشمري
أحسست بالأرض ترتج من تحت قدمي . . تبعها دوى هائل حدث عن مقربة مني . . . لا أعلم هل سقطت من فرط الهزة ، أم أنا الذي ألقيت بنفسي أرضا ؟ . . ظللت ممددا لثوان . . تناهى لسمعي خلالها لغط صراخ غير بعيد . . قمت من مكاني وهرعت عدوا صوب مكان الانفجار . .
حالما وصلت . زكمتني رائحة غريبة لبارود مشوب بالدخان . . أحسست بالغثيان . . وبرغبة جامحة للتقيؤ . . لملمت شعث نفسي وتماسكت . . كانت رائحة رهيبة . . أبهذه السرعة يتحول المرء إلى كتلة من الشواء المحترق ؟ .
ياله من مشهد مريع ، أن ترى الأجساد صرعى . . منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينوء من فرط آلامه . . .
ثمة امرأة تحمل طفلها ، وتصرخ من هول الصدمة في وجهه عله يجيبها :
_ حمودي . . . حمودي . . يمه أنت عدل لو لا . . . ؟
لم يجب . . ولن يجيب . . ضمته إلي صدرها . . و أخذت تنشج بحرقة فيما الدم يشخب من جبينه وفمه . . .
مشيت الهوينا مترنحا ، كما يمشي الوجي الوحل . . الدم في كل مكان . . أشلاء اللحم متناثرة هنا وهناك . . . أحسست بشيء ما تحت قدمي . . نظرت . . . أرعبني ما رأيت . . ثمة يد مقطوعة . . تسمرت لثوان فاغرا فاهي . . ثم انحنيت بتؤدة لالتقطها . . كانت يدا معروقة ذات كف كبير . . لعلها المطعم الوحيد لثلة من الأطفال . وها قد بترت . . سقطت مني . . لم أرجع إليها . . أكملت طريقي في دائرة الموت . . الصراخ ملء الأسماع . . الضوضاء تضجرني . . والدم المسفوح على الأرصفة يفتح أمامي نافذة لمئات السنين من القتل والتقتيل . .
تمازجت الصور في ناظري . . فتشكلت لي لوحة وحشية تؤطرها الجماجم . . وتزيتها الدماء . . ولم اعد أرى سوى اللون الأحمر . . ولا اسمع صوتا عدى بكاء الأم على ابنها القتيل . . أحسست بالدوار . . وأظلمت الدنيا في وجهي . . فتهاويت على الأرض . .