دوامة الصمت
عبد القادر كعبان
لذت بالصمت كمن يبحث عن شيء ليستتر به. زادت دقات قلبي خفقانا وهو يرمقني بعينيه. سارعت بدس السيجارة في جيبي بعدما لمست جمرتها بأطراف اصابعي محاولا اطفاءها. سرى الالم الحارق في عضلات وجهي. شعرت بخطواته تقترب مني بهدوء مفتعل. ثم سألني:
-أتدخن يا بني؟
اجبته بكل ثقة:
-أجل يا أبي؟
ثم مضى وتركني ارتعش خجلا من نفسي.
لقد تعذبت طوال فترة مداراتي للامركمفتعل لجريمة لا تغتفر. لكن لحظتها قررت المواجهة للخروج من دوامة صمتي.
فجأة وقفت أمي امامي وعلائم الغضب تنفر من وجهها ثم غمغمت بدهشة متسائلة:
صرت اذن تدخن يا رجلي؟
اكتفيت بالصمت، و مضت أمي تحمل معها تساؤلها و دهشتها!
كانت سيجارتي هي الوحيدة التي تسامرني كل ليلة لتنفض عن روحي وجعها الروتيني.
دخلت غرفتي و قفزت مستلقيا على سريري ثم اغمضت عيني مستسلما لحلمي بسيجارتي التي تحولت فجأة الى حسناء فاتنة تقف أمامي. مدت يدها و شدتني، فسألتها:
-الى أين نتجه؟
اجابت ضاحكة:
-نخرج لنشم الهواء، أكاد اختنق هنا!
كانت شوارع مدينتنا ضيقة، لكن برفقتها شعرت بها فسيحة رحبة، و كان هواء ليلها عليلا.
تنازعتها رغبة الفرار مني بعيدا. لكن رغبتي كانت اقوى لتظل بقربي و لا تفارقني. علت شفتيها ابتسامة حزينة عبرت عن عمق مشاعرها بفراقي. توسلت اليها لتبقى بجانبي فحاجتي اليها كبيرة.
احتواها شعور غامض فيه من الرغبة أكثر من الخوف. تذكرت نظرة والدي لي و دهشة أمي حينما علمت بعلاقتنا. حاولت جاهدة لملمة شتات قواها، ثم صرخت بوجهي:
-لنضع خاتمة لهذه القصة الاليمة..
ودعتني ومضت. احسست بالفراغ يلفني لابتعادها عني، فقد كان وجودها بجانبي ينسيني مشاكلي و همومي.
فتحت عيني وادركت انه لابد من مفارقتها و نسيانها.

