الحيتان ... والرعية

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

تعصف الرياح الشديدة في كل مكان

صفيرها مرعب صوتها يحمل أزيز وصفير الصواريخ , غاضبة يملأها الحقد تريد أن تذهب بكل شيء

برق وغيوم وأصوات رعد في ظلام حالك حل على وجه الأرض

الشمس في الأفق ؟؟؟!!!!

 وأنى لها أن ترسل أشعتها

ودفئها  ونورها

تحاول أشعتها جاهدة لكي تحن على الأرض ابنتها

تريد أن تدفئها  ترسل أشعتها ولكن تنعكس تلك الأشعة لتذهب لمكان آخر, إلى مكان يتسع لذلك الخير   , فالخير لا يسمح لنفسه بأن يكون ملوثا

في هذا الجو المشحون والعاصف والرعد والبرق والظلام الحالك

فجأة يهدا كل شيء , تعبُر الرؤيا لمسافات أبعد

 يلتقط الموج والبحر والبر أشعة الشمس المرسلة بحنان ولطف

بعد أن هدأت آلام الحوت الكبير , بعد أن عادت  الطمأنينة لقلبه الكبير

إنها بشرى سارة عن بقية خير ما زالت موجودة عند الرعية

كانت الآلام التي عرضت ذلك المخلوق لهذه الثورة العنيفة , موجودة في داخله وداخل أبنائه المحترمين

لقد نشبت معركة قاسية داخل جوفه

معركة بين الحيتان الصغيرة , والذي كان يظلل عليها سلطان الطاغي الكبير

جلس الأخوة الأعداء في كل زاوية بعد أن هدأت المعركة

كان سبب المعركة

الجوع والفقر والمستقبل القادم المظلم

كيف لا ! لم يبق لهم مصدراً من رزق , الرعية التي كانت تطعمهم وتفرش لهم الحرير, يبست وشاخت وهرمت وفقدت كل مقومات الحياة

لم ولن يجدوا شيئا عندها بعد ذلك أبداً

لن يجدوا دماء ولا غذاء ولا ذهبا

استهلكوهم لآخر نقطة من دمهم

الحوت الكبير

جميل ذلك الحوت, بريء من كل شيْ

 يلف جسمه بثوب التقى والعدل والمساواة وفي كل لحظة من حياته لا يملكها لنفسه

من تحت عباءته المنتقاة والخالية من الدنس والسوء

يحتمي بداخلها الثعبان والعقرب والحوت الأزرق والقرش

ولكن هذه المرة كانت المظاهر مختلفة ,  فقد اختلفت الأمور الآن وتبدلت الظروف ولن تكون  عباءة الحوت الكبير ذات فائدة بعد الآن

لقد مضت عليهم ساعات طويلة قابعين في الزوايا المظلمة في الجوف الكبير

لم يفكروا بساعة كهذه

لم يفكروا بقليل دائم خير من كثير منقطع

فكروا ناقة صالح ولما كثر الحليب قتلوها , أو تلك المنتجة للخيرات والتي تنعم بكثرتها على الإنسان , فهي معطاءة كريمة بقدر العطاء المبذول تجاهها

ولكن أن تستمر لتأخذ دون مقابل  على العطاء , والهدية على البذل للطرف الآخر, فلن تحصد في النهاية إلا الهواء الفاسد المفعم بكل أنواع الموبقات

فكان الصراع على أنت كسبت اللحم وأنت كسبت المال , وأنت كسبت الزرع وأبقيت العاملين حتى بدون ماء

ولم يبق من المصادر تلك إلا مجرد خيال

قد يكون إنسان

كان للحاكم والحوت الظريف ستر وغطاء وهو كان ستر وغطاء على كل أنواع المفترسات

إن فضح أمر معتد منهم يلوذ العملاق بالقانون وينفض عن ثوبه أثر من السوء

ولكن وصلت الرعية لدرجة  تحسبها أصنام

وإن تبين بأنها ليست كذلك , فتجلس نادما على أنك اكتشفت الحقيقة

الحقيقة هي أنه إنسان ولم يكن تمثال

لا من حجر ولا من معادن ولكن جلد وعظم , واللحم والدم في قلب الحوت الكبير مع شركائه الصغار من المفترسات

هدأت المعركة وذهبت آلام المخاض عند الحوت

بشرى سيارة

يفتح الحوت فمه تدخل كميات هائلة

تهرع المفترسات

كل مفترس له اختصاصه

يبحث بين تلك المكونات

تعود الحسرة مرة ثانية , يعود الظلام لنفوسهم التي استبشرت بصيد جديد

لم تكن تلك إلا أجساد يعرفونها

كانت في الماضي ممتلئة , منورة الخدود وقوية السواعد

ولكن وجدوها جثث محنطة

لا عيون ولا أحشاء ولا شيْ سوى جلد لفه سواد الموت , وبعض من قطع الثياب خالية من الجيوب

ولما لم يجدوا ما يبحثون عنه

دب الصراع مرة أخرى

وعاد الإعصار وعاد الظلام وارتفعت الأمواج

وكتلة ضخمة فيها بريق من نور

تدخل فم الحوت وتحط بداخله والباقي منشغل بالمعركة

ويخرج من تلك الكتلة وميض كبير يعقبه انفجار ضخم كبير

وتعم الفرحة من المحيط إلى الخليج

بعد أن غدت تلك القطع المتناثرة في وسط الجحيم