الصدمة

عبد القادر كعبان

[email protected]

انقلبت حياته رأسا على عقب منذ أن وقعت عيناه عليها. تحمر وجنتاه وينبض قلبه بشدة كلما كان طيفها يمر في خياله. لازمته هذه الحالة في حلمه كما في صحوه. أصبح شارد الفكر. يعيش مع صورة حبيبته في يقضته و نومه.

قرر دون تردد أن يفاتح والدته في أمرها لتتقدم لخطبتها له. استبشر خيرا و هو يرى علامات الرضا و السرور باديتان على وجهها وهي التي طالما إنتظرت هذا اليوم، و ما أسرع ما كانت الفرحة تقفز من عينيها:

-الحمد لله. أخيرا يا أمجد. أنا سعيدة جدا بقرارك يا بني. و أمنيتي أن تكون فتاة أحلامك ذات دين وخلق وجمال إنشاء الله.

-هي كذلك يا أمي، فلقد سألت عنها و عرفت من تكون و من يكون أهلها.

عبارات أمه شحنت في نفسه طاقة غير عادية، انفرجت لها أساريره، و باتت باﻠنسبة إليه حلما سيتحقق حتما.

إختلج أمجد القلق و التوتر و هو يترقب رد أسرة الفتاة. و قبل نهاية المهلة بيومين سمعت أم أمجد جرس الهاتف يرن وهي جالسة كعادتها تقرأ ما تيسر من كتاب الله. تركت الوالدة المصحف جانبا و أسرعت تستبشر خيرا. التقطت السماعة و دقات قلبها تزداد خفقانا. جاء صوت والدة الفتاة على الطرف الآخر:

-أتمنى أن تكوني بخير يا أم أمجد؟

-نحمد الله يا أختاه.

و بعد عبارات الترحيب أحست أم أمجد بقلب الأم أن الخبر غير مفرح فبادرت بالكلام لترفع الحرج عن أم الفتاة:

-ماذا بشأن موضوعنا يا أختاه؟

ردت بأسف شديد:

-أعتذر منك يا أختاه فابنتي ليست من نصيب أمجد.

ما إن أغلقت سماعة الهاتف راحت متسائلة:

-يا إلهي، كيف سأخبره؟

غرقت في بحر أفكارها المتلاطمة تلاطم الأمواج. فجأة سمعت الباب يفتح وأمجد يدخل عليها. التفت إلى وجهها الذي تملكته الحيرة و الإرتباك. بادرها بالسؤال:

- علامات اﻠقلق بادية على محياك يا أماه فمابالك؟

قالت و الخوف يلازمها على إبنها:

-عزيزي أمجد، الزواج قسمة ونصيب ..

قاطعها بانفعال:

-ما هو عيبي لترفضني..لكنني لن أستسلم يا أماه.

أغلق على نفسه باب غرفته و راح يفكرفي مخرج لما هو فيه. إهتدى إلى فكرة اللجوء إلى شقيقها التوأم ليحاول إقناعها.

مع تزايد إلحاح شقيقها و عائلتها استسلمت و لم تجد سبيلا إلا القبول بأمجد كعريس. وبعد زواجهما رزقا بطفلة جميلة و كانت تعيش في قصرها كأميرة. افتتح أمجد و صهره مشغلا للخياطة. توسعت تجارته. شجعها باﻠعمل معه حتى لا تفارق عينيه. وافقت على الفكرة دون تردد. وسار دولاب الحياة بهما. حتى ألجم ذلك المشهد لسانها ذات يوم. شل حركتها. وقفت مصدومة والدهشة بادية عليها لا تدري ماتفعل. الزوج و إحدى عاملات المشغل بين أحضانه. للحظات استجمعت قواها، و طلبت من العاملة أن تنصرف ثم قالت دون تردد:

-طلقني يا أمجد.

-الشيطان يا عزيزتي. هي غلطة لن تتكرر.

واصل متوسلا ولكن دون أمل يرجى. لملمت حاجياتها الضرورية في حقيبة صغيرة و أمسكت بيد إبنتها و اتجهت لبيت أهلها. ارتمت في حضن أمها الحنون باكية مجروحة.

-لقد طعنت في شرفي وكرامتي يا أماه.

فجأة دخل شقيقها التوأم فواجهته بنظرة مليئة بالإتهام لأنه من أشار عليها بالإقتران بخائن.

واصلت قائلة:

-لن أعود إلى أحضان من خانني يا أماه.

انزوى أمجد وحيدا و الندم يتآكله وسأل نفسه:

-أين كان عقلي؟ ألهذه الدرجة أوقعني الشيطان؟ لما لم أفكر قبل أن أقبل على هذه الخطوة؟

 ثم عاد إلى بيت والدته نادما كجسد فارقته الروح.