لم تعد تمشي في نومها بعد ذلك أبداً
لم تعد تمشي في نومها بعد ذلك أبداً؟؟!!!
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
في عز شبابها وجمالها وعنفوانها , شابة جميلة رائعة وضعت فيها لمسات الخالق العظيم , في وجهها وعينيها وخدودها , إنها فتاة طيبة نشأت من أصل طيب , لم يجعل الله فيها ما يسوء , لوخُيلت للذي يلفظ أنفاسه الأخيرة لتعلق فيها وتكون وداعه الأخير
تنظر حولها تشاهد جمالها , تعجب بنفسها تريد حياة طيبة , نفسها تريد أن تحي تريد أن تعطي الخير للجميع
ولكن كل الذي يجري أمامها وماضي من حولها ومستقبلهم ومستقبلها , يرتسم على وجهها حزن عميق وأسى كبير , يعكر جمالها وفتنتها التي لا توصف
ولما وعيت الحياة والحياة وعتها , وتعرف ما الذي يدور حولها
تطرد الأسى والحزن بالنوم , وما أن تغط في نوم عميق حتى:
تنهض من فراشها وتمشي خلال نومها
انتبه الأهل لحالتها , ولكي تبقى بعيدة عن الحوادث ولكي لاتخرج للشارع وهي نائمة , يبقى مفتاح الباب مخبئاً في مكان ما في البيت لا تعرفه الفتاة
القمر بدراً يتوسط قبة السماء يطل على وجنتيها شعاعا بريئا صافيا كصفاء وجهها الجميل
فعندما نهضت من فراشها , وأسدلت عليها ثيابها واتجهت نحو الباب فوجدته مفتوحا , فخرجت ولم يعترضها أحد من ساكني البيت , ونزلت للشارع وبدأت تتجول فيه براحتها
لا يوجد كهرباء ولا أنوار تخرج من البيوت ولا حركة تدل على الحياة فقط ضوء القمر بشعاعه الأبيض الهادي والذي يتهادى على المكان ليعطيه لمسات فنان تضاف للوحة زيتية طبيعية
سكون وهدوء تام مع نسمات هواء مرت فوق شجرة ياسمين , لتطفي على الفتاة مسحة رقيقة تزيل عنها الأسى والحزن المعشش في داخلها منذ زمن بعيد , والقمر يتراقص فوق رأسها من بعيد لعلها تحن عليه بابتسامة وردية تخرج من بين حبات عناب على ثغرها الجميل
يثير انتباها خيال من بعيد
يقترب الخيال رويداً نحوها ,تتبين ذلك الخيال فيصبح واضحا أكثر إنه خيال رجل , آه إنها تعرفه هو ذلك بعينه
يقترب الرجل منها أكثر يلتفت حوله بكل اتجاه , يرتسم على وجهه الرعب والحيرة , شعاع القمر يتجنب السقوط على وجهه , ليظهر على ملامحه ما يلج في داخله من سوء
يلهث كثيراً يرتجف جسده , وترتعش يداه يتقدم إليها مُسلما , يحاول أن يخفي شيئاً من الهول الذي يحيط فيه
هذا أنت أيها الطاغية تمشي في هذا الليل , قالتها بدون خوف ولا ارتباك , هذا أنت الذي تطل علينا في كل زاوية وفي كل ركن من أركان حياتنا
أراك خائفاً مرعوباً فما الذي يخيفك ويرعبك يا
أرجوك أيتها الجميلة أغيثيني , إنني خائف ويكاد الخوف والرعب يقتلني
لقد صحوت في منتصف الليل , والظلام يغشى المكان تلمست طريقي حتى خرجت من القصر الذي أعيش فيه
الأمر غريب جداً ولا يمكن تصديقه , لم أجد زوجي ولا أولادي ولا الخدام ولا الحراس , لم أسمع صوتا ولا تحية ولا احترام , الحرس وتعدادهم عشرات الألوف لم أجد منهم أحدا, الشوارع مظلمة مقفرة والبيوت كأنها خالية والأبواب مفتحة . هاءنا كما ترين أسير وحدي وهذه الذئاب التي حولي تريد افتراسي تريد
أصرخ فلا يخرج صوتي من داخلي أستغيث فلا أجد إلا نفسي تستغيث مني
هل تعرفين أين ذهب الناس جميعا ولم يبق إلا أنا وأنت؟
الناس في بيوتهم ملوا الحياة وملتهم في ظل عرشك وحكمك
<<إذا ذاق المرء قطعة من لحم الإنسان تحول إلى ذئب , ومن يقتل الناس ظلما وعدواناً ويذوق بفم دنس دماء أهله ويشردهم ويقتلهم فمن المحتم أن ينتهي فيه الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب>>
فعندما استلمت منصبك وعلوت عرشك كانت غايتك هي:
1-هي تدمير روح المواطن , لأنك تعلم أن صاحب الروح الفقيرة , وهو الذليل الخانع لن يتآمر عليك على الإطلاق
2- ارتياب المواطن بعضهم من بعض , إذ أنه لا يمكن القضاء على الطاغية إلا إذا اتحد المواطنون ووثق كل منهم بالآخر ,فطاردت الأخيار من الناس , لأنك تجدهم خطراً مزدوجاً على سلطانك . لأنك تراهم أنهم من العار أن يُحكموا كما يُحكم العبيد , وهم خطر من ناحية أخرى, عندما يشعرون بالولاء بعضهم لبعض , وبالثقة المتبادلة بينهم , وفي رفضهم أن يخون بعضهم بعضا
3- وكان هدفك تحول المواطنين للعجز التام عن أي فعل , وجعلتهم عاجزين عجزاً تاماً وضرباً من المحال إسقاطك , حتى أصبح التفكير بإسقاطك ضربا من المستحيل
فقد حققت غاياتك الثلاث كما لخصها أرسطو عنك
ونظمت في داخلك شعرا حماسيا بأنك لن تزول , ووضعت حولك شر الناس , ولم ولن يثق بك أحد , كما أنك لم تثق بأحد , ولا تهنأ بنومك والكوابيس والأمراض والقلق يلاحقك من كل جانب
وبما أنك حولت الناس لقطعان من العبيد , واستبعدت أخيار الناس وقربت المداهن والمنافق والمجرم
فمن يحميك منهم إن تخلت عنك تلك القطعان المصنعة من العبيد
وأعتقد أن الذي تراه الآن هو :
أن المواطنين جميعا , بعد أن حولتهم لعبيد وعجز وفقراء , ونزعت من بينهم الأخيار لم يجدوا حلا للتخلص منك إلا:
أن يبقوا في بيوتهم ولن يخرجوا منها مادمت فيها
وكما ترى لا كهرباء ولا ماء ولا وسائل نقل ولا بيع ولا شراء ولا ناس , حتى الحراسة من حولك ذهبت أدراج الرياح
حتى القمر رفض أن ينشر نوره على وجهك لكي لا يضيع في غياهب ظلماتك وظلامك
وسأتركك لوحدك تنهش من جسدك ذئابك ولن تجد بينهم حتى ذئب يوسف
وابتعدت عنه قافلة بالعودة لبيتها
ولكنها التفتت للوراء عند سماعها أصوات غريبة كانت تنطلق من مكان الطاغية لتجد ذلك الطاغية قطع متناثرة في أفواه ذئابه , وهدير مرعب يأتي من السماء , عمود دخاني أسود في داخله جحيم والعياذ بالله
يلتقط ما تبقى من الطاغية ومعهم ذئابه , ويُطهّر المكان من ذلك الرجس الفظيع
وبدأ الليل ينسلخ من النهار رويداً ودفيء لطيف يمسح وجها بشعاع الشمس المنتثر على وجهها لترى الشمس في مرآتها كما ترى الشمس نفسها في مرآة وجه الفتاة
وعادت إلى بيتها مشرقة صاحية , ووجدت البشرى والخير على وجوه الجميع
ولم تعد تمشي في نومها بعد ذلك أبدا