المقامة الاستضعافية
عبد الرحيم صادقي
حدثنا عزيز بن المعتز قال: وقفت على شاطئ الإسكندرية، أرقبُ أسطول الحرية. فقيل لي إنك لن تراه من وهدة البرية، ولكن أُعْلُ ربوة سَنِيَّة. ثم إن طريق الأسطول، مُبْهَمُ المعالم مجهول. وكل مَن عليه من الأحرار، لا يَدْرون ما تُخبِّئه الأقدار.
قال عزيز فقلت: يكفيني نسائم العزة أتشمَّمُها، وأشخصُ الرجولة أتحسسها. ثم ولَّيتُ وجهي شطر غزة، أرض الرباط والعزة، وقلت: صبراً فلسطينُ صبرا، عُذْراً إخوتي عُذرا. أنْ رأينا الحقَّ يُدان، وكرامةَ الناس تُهان. ذَلَّ العُرْبُ ذُلاًّ وقالوا، اذهبوا وربكم فقاتلوا. وغزَّةُ على الجمر قابضة، وفي العرينِ رابضة.
فإذا بصوت فتى ينادي من وراء اليم، ولا مجيب غير كاشف الهم، ومذهب الغم: يا قوم طال الحصار، وحياتُنا جمر ونار. رجَوْناكم وانتظرنا على مَرارَة، ومن القلب تنبعثُ الشرارَة. فمتى تُلبُّون النِّداء، وتكونون لنا الفِداء؟ تحيةً لكِ إسطنبول، تحيةً أحرارَ الأسطول. هذا السامِريُّ عَرْبَد، وأيْقنَ الأمرَ وتأكد، أنْ لا وَجَل ولا مِساس، وقُدْسَ الأقداسِ داس.
قال عزيز بن المعتز: ثم انبعث صوت مجلجل من القدس الأسيرة، شاهدٌ أن الإنسان على نفسه بصيرة: يا أُمَمَ العالم أجمع، وَلْتَشْهَدِ الدنيا وتسمع. أنا ربكم الأعلى، أنا من أبدع القانون وأمْلى. إن شئتُ طرحتُ العُرْف والقيم، أو جوَّعتُ الوِلدان وخفَرْتُ الذِّمَم. سِيَّانَ الشيبُ والشبابُ عندي، لا دموعُ ثكلى ولا عويلُ يُجْدي. ماضون بعزم والهيكلُ لاح، فأريقوا الدماء في ليالينا المِلاح. خرِّبوا دَمِّروا كل بلاد! تَسْلَمْ لنا أرض الميعاد. أنا من يُحرقُ الزيت والزيتون، وَما صَنَعَ الناسُ وأَبْلَتْهُ السِّنُون. أنا من يُديرُ الأرض بإِصْبَع، بلا قنابلَ ولا مدفَع. لا مجلسُ الأمن يُرْهبُني ولا "لاَهَايْ"، وهل أخشى ما صنَعَتْ يداي. أنا تاريخ جُرْمٍ وفضائح، ولي أذْنابٌ يَكيلون المدائح. رأيُ العالَم لا يُضام، وله التوقير والاحترام. بيد أن الرأيَ مَشاع، ولا رأي لمن لا يُطاع.
قال عزيز فذكرت أمة العرب وقلت حَنِقا: وأمَّا إعلامُكُم يا عَرَب، أَيَصْنعُ الأمجادَ الطرب؟ متى الرقصُ يوماً بنى أُمَّة، ومتى الغواني أَعْلَيْنَ هِمَّة؟ فاقرؤوا على إعلامِكُمُ السلام، قبَّحهُ الله من إعلام! بالله عليكم بماذا ستقاومون؟ بربَّما وليْتَ وأوهام وظُنُون؟ بقيانٍ ومُخنَّثينَ ومُجون؟ أم بأردافٍ وثِدِيٍّ وبُطون؟
قال عزيز بن المعتز: ثم تناهت إلى سمعي قهقهة شارون بن حُيَيٍّ، ثم خاطبني بقولٍ حقٍّ يُرِمُّ العظمَ ويذيب النّقي: الداءُ فيكم وأنتم كُلُّ بَلِيَّة، وأنا الجلاَّدُ باقٍ وأنا الضَّحيَّة.