حبل النجاة

عبد القادر كعبان

كانت نبضات سليم تتسارع بقوة، و شعور يرتفع حدته في داخله. الانتحار! زادت دقات قلبه خفقانا وهو يرمي بعينيه نحو أقراص الدواء على طاولة السرير.  كانت تبدو له الفكرة سهلة، و مفزعة في آن الوقت!هم بتناول كوب الماء و فكر أن عليه ابتلاع الحبوب دفعة واحدة! لكنه انتبه إلى صوت يصله من صالة البيت، و ماهي إلا لحظات حتى فتح الباب و دخل صديقه عبد الرحيم..كانت اللحظة صعبة و نظراتهما تلتقيان، ثم نظر عبد الرحيم إلى أقراص الدواء، و إلى وجه صديقه  الشاحب. لم يكن بحاجة إلى بذل جهد ليفهم الحكاية ! لم يستطع سليم أن يقول شيئا، و راحت الأقراص تسقط من يده و تتناثر على أرضية الغرفة، و انهار باكيا.. 

"ﺇياك و الإنتحار" صرخ عبد الرحيم.

"اليأس يقتلني..."

"ما السبب برأيك؟".

"صدمة تلوى الأخرى، لم أعد أتحمل مرارة الحياة".

أحس عبد الرحيم بحالة الإنهيار و الإحباط التي يمر بها سليم. وقرر في شيء يخرجه به من حالته تلك. لما لا يقترح عليه نزهة في الغابة. هناك سينسى هاجس الإنتحار و لحظات الإنكسار، و يستطيع وقتها أن يتحدث إليه كما يمكن لصديق أن يحادث صديقه. و ما أن مشيا قليلا في نزهتهما، حتى جالت في رأس عبد الرحيم فكرة خوض مغامرة ما، و لم لا تسلق الجبل منافسا سليم للوصول إلى القمة؟ بدت الفكرة مفاجأة لسليم في البداية، لكنه سرعان ما أبدى موافقته، على الرغم من أنه لم يبد تحمسا، كان يبدو كأنه ينقاد إلى شيء مجهول ! مر الوقت سريعا، و انتبه الصديقان إلى أن الليل يوشك على النزول دامسا، و كان ما زالا يتسلقان الجبل على وشك الوصول إلى القمة. شعر سليم برغبة غريبة على الصعود، فقد بلغه التعب، لكنه في الحقيقة كان يريد أن يصل قبل صديقه، و تفاجأ أنه ما زال يحتفظ بتلك الرغبة على الفوز، هو الذي كان يفكر في الانتحار صباحا ! لسبب غريب أحس أن فكرة الانتحار تبدو بعيدة الآن، ربما لأنه أحس برغبة في التنفس ملء رغبته على الحياة. تساءل بينه و بين نفسه " كيف يمكن أن أفكر في الانتحار بهذه البساطة؟ ". فكر في صديقه، ماذا سيقول عنه في قرارة نفسه؟ لكنه يعرف أنه قادر على إثبات لنفسه أولا أن الانتحار مجرد فكرة سخيفة جاءت في لحظة ضعف، و أنه يستحق أن يفكر في الغد، و في صوت العصافير إذ توقظه صباحا من نومه، ووجه النهار الذي لن يختفي إن هو انتحر ! كان يفكر في ذلك و هو يتسلق الجبل، و يصل إلى قمته منتظرا وصول صديقه ! ابتسم بينه و بين نفسه.. لحظات أنست سليم مرارة الصدمات، وجد نفسه ينظر إلى الأسفل محاولا رؤية صديقه، و إذ بدوار ينتابه، ففقد توازنه. شعر أنه يسقط. فكر فجأة أنه حاول الانتحار صباحا، و هاهو يحاول التمسك بأي شيء، تفاديا الوقوع في الهاوية، و إذ بيد صديقه تمسكه بقوة، و صوته يصله مليئا بالثقة:

-تمسك بي جيدا ! لن أتركك تقع يا صديقي !

لحظتها أحس سليم بالسكينة و الطمأنينة. كانت يد صديقه قوية و دافئة و صادقة، و كان في صوته شيئا عميقا. و عندما جلسا كلاهما على قمة الجبل، نظر عبد الرحيم إلى سليم مبتسما:

-في كثير من الأحيان قد نواجه المصاعب و الأخطار، لكن علينا التمسك بحبل النجاة.. إنه الإيمان يا صديقي !