جندي عراقي
يوسف هداي الشمري
انتهى من حزم حقيبته الصغيرة قبيل الذهاب إلى مجمع الجنود ، حيث الالتحاق بوحداتهم العسكرية . . يسمى مكان عملياتهم الحربية بالمناطق الساخنة . . لا لسخونة الجو هناك ، ولكن لاشتداد المعارك وحميا وطيسها ! . . وهي كذلك . . ساخنة . . . ملتهبة . . تجد بين شوارعها كل ما يخطر بذهن الجندي العراقي الذي خبر الحروب جيدا . . وما لم يدر بمخيلته قط . .
كل شيء هناك . . عبوة ناسفة قد تأتي على الدورية فتذرها رميما . . أو سيارة مفخخة يقودها أهوج أغبر ، يظن ما يفعله خلاصة الدين الصحيح . . أو . .
اضطرب تفكيره . . خفق قلبه . . اهتزت فرائصه . . لاحت له صورة السيف الصقيل يقطر دما . .
_ يا لها من ميتة بشعة .
كثير هم من ذبحوا على هذه الأرض . . كيف كانت حالتهم ساعة الذبح ؟ . . هل تذكروا أهليهم ؟ . أم لعل الرعب أوقف عمل الذاكرة لديهم .
كل من يقتل عشرة يتوج أميرا . . حيدر . . فالح . . حسون . . أبو زينة . . كلهم جنود وفي نفس وحدته العسكرية . . ذبحوا على يد أمير واحد . .
تحسس عنقه بيده . . تخيله يحتز بمدية حادة . . كيف تكون صرخاتي حينها ؟ . .
_ أوه . . . لن اذهب والعن أبو . . . .
وكأن صوتا يهمس بإذنه لائما . .
_ هل خفت ؟ . . . يا جبان ! . .
تردد قليلا . . وكأنما أعياه الرد . . ثم قال كمن يدفع عن نفسه تهمة شنعاء .
_ مذ خلقت وأنا شجاع . . لم يعرف الخوف لقلبي طريقا . .
_ فلماذا النكوص إذن ؟ .
_ . . . . . . . .
_ كان والدك رحمه الله جنديا بطلا . . استشهد في ميدان الحرب .
_ وحتى جدي وجد جدي . . كلنا جنود أشاوس . . . ولكن . .
_ لكن ماذا . . ؟
_ إن العدو هذه المرة مختلف .
_ كيف للعدو أن يكون مختلفا ؟ . . هل هو من جنس غير جنسنا نحن البشر ؟ .
_ كلا . . . ولكنه متخفي . . متستر . . يظهر فجأة ويختفي فجأة .
_ لم أفهم ما تعني . .
_ انه محتال . . غدار . . لا يعرف لشرف الحرب معنى . ولا تأخذه بالأسير رحمة . .
_ لا تسلمه قياد نفسك . . وكن عليه عصيا .
_ وان . . . سوف يستخدم طرقا غير معروفة تقطر دهاءا وخبثا .
_ ولكنك ستظل الأقوى دائما . . بعزيمتك وإرادتك . .
_ كيف عرفت ؟ .
انظر إلى ابنك .
تجلت له براءة الطفولة كلها في ابتسامته . سقطت عيناه على العنق . ومن يحمي هذا العنق من سكاكينهم . اقشعر بدنه لهكذا خاطر مزعج . ولكنه سؤال يطرح نفسه بقوة على أية حال . أنا وغيري من الجنود . .
حمل حقيبته وألقاها على ظهره . ثم انطلق سائرا بخطو واثق لعسكري متمرس . .