كل عام وأنت بألف خير

سعيدة ح بوطاهر

[email protected]

-1-

دعتنا لحضور عيد ميلادها، فاستقبلنا الدعوة بفرحة عارمة وسرور كبير، لأننا نشتاق إلى رؤيتها كل سنة ونتطلع إلى أخبارها بين الفينة والأخرى.. ونمني النفس بملقاها لنصل الماضي بالحاضر ونطل على الغرب ونتعرف عليه برؤية عربية بريئة.

 كانت تختار فرص اللقاء بها في مناسبات لا نرى فيها نحن إلا مدعاة لمشاركتها في فرح قديم اسمه العلاقة والصلة والدم و القرابة...

 هذه المرة، المناسبة هي عيد ميلادها الواحد والثلاثين.. ومع أننا لا نؤمن بهذا الاحتفال ثقافة ، إلا أننا نراه فرصة للقاء الوجوه القديمة الأصيلة ، نتبادل الأحاديث والأحلام .. بعد غياب يدوم سنة بأكملها

هذه المرة لم يكن عيدا كباقي الأعياد لقد فتح المجال للحضور على التعرف على الزوج الثاني الذي ارتبطت به مؤخرا- بعد مساحة من الزمن لم تجد فيها مع الزوج الأول إلا معاناة وألما-.. لم نتلمس ذلك إلا عندما انطلقت الموسيقى الصاخبة تدوي صداها في أرجاء البيت في صيف حار ألهب مشاعر الحضور..

كنا لا نرى في هذا الحفل إلا بصمة حب وبراءة وألفة رغم ما يخفيه كل واحد منا من رأي خاص في الاحتفال ذاته. فمنا من كان يرى أن هذا الرقص بهذه الطريقة في حفل بسيط بحضور وجوه مميزة لا يدعو للإسفاف به أو التقليل من قيمته ومنا من رآه فرصة لاستعراض الجسد والملابس.. تحت أضواء وموسيقى صاخبة.

 الأحاسيس الباطنية مختلفة والقراءات متعددة .. وعلامات ذلك ترتسم بادية على العيون لكن لا أحد يستطيع تفهمها لأنه حفل دعيت إليه وها قد لبيت الدعوة.

 لقد بدا لي أنها تطبعت بأعراف الغرب من أعياد الميلاد والهدايا المبهرة .. متناسية أن حضورنا نحن في حي بسيط وفي بيت بسيط ، إنما عربون وفاء للقديم والقديم الجميل.. واليوم فقط جئنا نتذكر فيه فدوى ذات الشفا الأرنبية مذ كانت برعمة صغيرة تلهو وتلعب في أرجاء البيت .. في براءة وصفاء معهودة فيها ..

 لقد كانت الفتاة الأولى التي أسعدت الجميع بولادتها والحفيدة الأولى في هذا البيت الكبير محفوفة بعناية ورعاية خاصة..

لكن توالي الأيام جعلتها طينة أخرى وتفكيرا آخر، قد لا تشعر بهذا النهر الفياض من الود والتقدير اليوم الذي يكنه أفراد العائلة لها ولو كانت قد فهمت العبارة كما نقول في العامية "حضورنا" لكان ذلك تكريما لنا..

-2-

 كان الجو حارا ذلك اليوم بشكل ملفت للانتباه ، وعلى الرغم من ذلك تحمل الحضور الحرارة حتى نهاية الحفل ومن بينهم نحن خالاتها .. بعد أن تناولنا المشروبات والحلويات في أجواء التهاني والتبريكات .. وبعد أن أطفأت الشموع، حان وقت فتح العلب والهدايا.. فطلب من الجميع الالتفاف حول الطاولة، ثم بدأت صديقتها المقربة منها تنادي باسم صاحب الهدية معلنة عن الهدية كاشفة عنها معلية من شأنها إن كانت لها قيمة مادية ، ومفسرة لدورها وكأن الحضور لا يفهم لم يصلح الذهب والمجوهرات ، ساخرة إن كانت بسيطة تحمل أكثر من معنى ..

هكذا توالت الدقائق واللحظات سريعة في دائرة الزمن ، بطيئة من حيث الدلالة ، رتيبة من حيث المعنى ، ولما كانت هديتنا باسم الكتاكيت تحمل معنى الحب والبراءة.. ضحك الجميع على الكبار فمنهم من قال :

- ألهذا وجدناكما في السوق؟؟ تشتريان هذه الترهات كاكا كاكا ..وقالت الأخرى: - لماذا كلفتما نفسيكما كان بالإمكان أن تطلبا مني هذه الإكسسوارات فأمنحها لكما دون تكلفة مادية أو مشقة ها ها !!!!!!

أما الصغار فضحكوا لا يعرفون ما الذي حصل بالفعل.

 سخرت فدوى وهي تقوم بحركات بهلوانية مشيرة بالإكسسوارات يمينا وشمالا تضعها على شعرها ثم تزيلها.. وهي تردد بصوت عال مفعم بسخرية فاضحة وضحكة بلهاء يسمعها الحاضرون!!!:

- من قال لكم إني أملك "شعور لا لا زهور" لأضع هذه ، تبارك الله على خالاتي وعلى هدياهن الرائعة....؟؟ !! كاكا كاكا وفي استهتار وضيع حدق الجميع فينا يشيرون بأصابعهم في هستيريا من ضحك..

 نعم ضحك الجميع ، وضحكت هي بملء فيها من اللواتي علمنها معنى الكفاح والتضحية ومن اللواتي حضرنا حبا فيها مكرهات وأخفين حضورهن المكره بالكاد في حفل حسبناه تذكيرا بالقيم الجميلة والإنجازات الطيبة فإذا به صدمة جديدة ودرس جديد ، لا ينسى لأمثالي اللواتي جئن من تخوم صحراء لا تعرف للتصنع شكلا ولا أسلوبا ..

وضحك الجميع لأن لا أحد لم يفهم أن الهدية قيمة ومعنى وليس شيئا ماديا محضا تبلغ قيمته الثمن الفلاني خاتما من ذهب أو سلسلة من الماس واللؤلؤ.. وأن الهدية الحقيقية هي أن الإنسان أغلى قيمة وحضوره أعز وأغلى..

 لم يميز الجميع بين الرمزية والتميز.. بين المهاداة الودية الضاربة في عمق البراءة والنقاء والصفاء وبين ما يلمع اليوم في طريق عابر مليء بوجوه محلقة على جناح الحياة البراقة التي ابتدأت بالأمس القريب لا تعي قيمة الإنسان وقيمة الأشياء.

انصرفنا من الحفل وقلوبنا جريحة لا لأننا لم نصادف ما غرسناه منذ ثلاثين سنة، بل لأننا لم ننصرف قبل بدء الحفل..