قلبي يبكي

قلبي يبكي

عيناي تدمعان

رحمتك اللهم

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

لم أنم الليلة الماضية ، أتدرون السبب؟ أحد الأحباب بعث رسالة أبكتني وأّرقتني ، نفضتني نفضاً وهزت حسمي كأقوى زلزال نفض عن قلبي أدرانه ، أعادتني هذه الرسالة إلى الواقع الحقيقي الذي يخبرنا عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " فإذا حياتنا حلُم ، سريعاً ما ننتبه منه لنرى الحقيقة أمامنا واضحة ، فقد ذهبت الغشاوة عن أفئدتنا وزالت عن عيوننا .

كانت الرسالة تهز أعماق أعماقي ، فقمت كاللديغ يسير بخطا سريعة هنا وهناك أرسل الدمع ولا أستطيع إيقاف انهماره ، فقد تفجرت ينابيعه ، وتمنيت لو أنها كانت هكذا دائماً تذكرنا بالحياة الدائمة ، وتدعونا أن نعمل لها .

كانت الرسالة تقول :

" صحوت من النوم فجأة في عيني نور غريب وقوي جدا فتعجبت أمر النور ، من أين أتى؟ وما مصدره ؟ ودهشت عندما وجدت الساعة تشير إلى الساعة الثالثة صباحا وأن مصباح الغرفة كان منطفئاً،  حارت تساؤلاتي .. وعندما التفت ؟؟؟ فزعت جداً ... حين وجدت نصف يدي داخل الجدار. أخرجتها بسرعة وسهولة ، ونظرت إليها بعجب ؟؟!!

أرجعتها إلى الجدار مرة أخرى فوجدتها دخلت  دهشت ؟؟ !! ما الذي يحصل؟؟

بينما أنا في تساؤلاتي إذ  بي أسمع صوت ضحك  ، نظرت إلى ناحية الصوت فوجدت أخي نائماً إلى جانبي  ورأيته يحلم ، يحلم بأنه يركب سيارة حديثة  وأنه ذاهب إلى حفلة كبيرة لأناس أغنياء جداً  وأنه في أبهى حلة .  كان يتمنى أن يكون أجمل من في الحفلة  وكان سعيداً جداً  يضحك .

ابتسمت من روعة المنظر ... ولكن!!  شدني انتباهي إلى واقعي ... ما الذي يحصل؟؟؟

قمت من سريري ركضت إلى حجرة أمي ... لطالما ركضت إليها في مرضي وتعبي

جلست إلى جوار رأسها وقمت أناديها بصوت خافت ... أمي ... أمي!

ولكن أمي لا تستجيب لي .. فقمت أوكزها برقة ... ولكنها لا ترد ... وكأني لا ألمسها ..!!

بدأ الخوف يتملكني ... وأخذت أرفع صوتي قليلاً .. أمي ... أمي ..!!صرخت ... ولكن لم لا تستجيب لي .... هل ماتت ؟؟؟ وأنا في ذهولي وصعقتي بتخيل موت أمي ... قامت من نومها كمن كانت في كابوس ... كانت فزعة جداً ، تلهث ، وتنظر يمنة ويسرة ... فبرق دمعي على عيني وقلت بصوت  خافت: أمي أنا هنا. فلم ترد علي ...أمي ألا ترينني ؟  أمي ؟

ورحت أصيح بقوة : أمي وبكل عجب ... أمي ... أمي   أمي ..أمي ..

وكانت تضع كفها على صدرها لتهدئ روعة قلبها  وتقول بسم الله الرحمن الرحيم

ثم التفتت إلى أبي ... وبدأت توقظه من نومه .. فأجابها ببرود.. نعم؟

فقالت له قم لأطمئن على ولديّ  ، فردّ أبي: تعوذي من الشيطان ونامي

فقالت أمي:أنا قلقة جداً ... أشعر بضيق ... وضنك يملأ صدري .. وأشعر أن هناك

مصيبة  ... كنت أنظر إليها بذهول ... وكنت أعلم جيداً أن إحساس الأم لا يخيب

فقلت : يا أمي أنا هنا ... ألا ترينني يا أماه ... أمي

فقامت أمي ومشت إلى حجرتي حاولت أن أمسك لباسها ... لكن لم أستطع الإمساك به ..

وكأن يدي تخترقانه  ركضت  أمامها ووقفت ... ماداً ذراعي لها ..فإذا بها تمر مني !!

فأخذت ألاحقها ،وأصيح أماه ... أمااااااه ؟؟ !ووالدي كان خلفي ... فلم ألتفت إليه ... كي لا يتجاهلني ...دخلت أمى إلى حجرتي وأخي وأشعلت المصباح الذي كان مضاءً بنظري

صقعت عندما وجدت نفسي نائماً على سريري فنظرت إلى يدي باستنكار ... من ذاك ... ومن أنا

كيف أصبحت هنا وهناك ؟ وقطع سيل اندهاشي صوت أبي : كلهم بخير .. هيا نعود .

فردت أمي : انتظر أريد أن أطمئن على محمد. ورأيتها تقترب من سريري .

وتنظر إلي بعين حرص وتزيد قرباً من النائم على سريري. وتضع يدها على كتفه... محمد .... محمد   لكنه لم يرد ... فصحت أنا هنا أمي .. أنا هنا أمي  بدأت تربت على كتفه بقوه ... وتصيح ... محمد .... محمد...  لوت وجهه إليها.... محمد .... محمد .... وبدأت تنتحب وهي تقول ...محمد   محمد   فركضت إليها ... لبكائها ... أمي ... أمي  أنا هنا يا أمي ... ردي علي أماه ... أنا هنا   وفجأة صرخَتْ .. الصرخة توجع قلبي...  بكيت  وقلت لها أمي لا تصرخي ... أنا هنا  وهى تقول: محمد   فركض أبي إلى السرير  ووضع يده على صدري ... ليسمع نبضي ...وآلمني بكاء أبي بهدوء ... وبهدوء يضع يده على وجهي ويمسح بوجهه على جبيني  فتقول أمي : لم لا يرد محمد والبكاء يزيد وأنا لا أعرف ما العمل

استيقظ أخي الصغير على صوت أمي وهو يسال ما الذي يحصل؟؟

فردت أمي صارخة: أخوك مات يا احمد ، مات ... فبكيت أقول: أمي أنا لم أمت .. أمي أنا هنا ... والله لم أمت ... ألا ترينني  أمي .... أمي  أنا هنا انظري إلي   ألا تسمعينني؟  لكن بدون أمل

رفعت يدي ...لأدعو ربي  ولكن لم أر سقف منزلنا ..  ورأيت خلقاً غير البشر وأحسست بألم رهيب ألم جحظت له عيناي وسكتت عنه آلامي  نظرت إلى أخي فوجدته يضرب بيده على رأسه وينظر إلى ذاك الذي على السرير . قلت له: اسكت أنت  تعذبني  ..كان صراخه يزيد..   وأمي تبكي في حضن أبي...  وزاد والنحيب  وقفت أمامهم عاجزاً مذهولاً

رفعت راسي إلى السماء وقلت: يا رب ما الذي يحصل لي يا رب وسمعت صوتاً من حولي ... آتياً .. من بعيد ... بلا مصدر  ..أصخت  سمعي  فوجدت الصوت يعلو ... ويزيد ... وكأنه قرآن .   نعم إنه قرآن وبدأ الصوت يقوى ويقوى ... هزنى من شدته

كان يقول :" لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ  فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"

شعرت به يخاطبني  .وفى هول الصوت  وجدت أياديَ تمسك بي  ليسوا مثل البشر

يقولون: تعال. قلت لهم :من انتم؟ ماذا تريدون؟  فشدوني إليهم ، فصرخت : أتركوني

لا تبعدوني عن أمي وأبي ... وأخي ...هم يظنون أني مت...فردوا : وأنت فعلاً ميت

قلت لهم: كيف وأنا أرى وأسمع وأحس بكل شيء

ابتسموا وقالوا: عجيب أمركم يا معشر البشر أتظنون أن الموت نهاية الحياة؟

ألا تدرون أنكم في البداية؟ وحلم طويل ستصحون منه إلى عالم البرزخ

سألتهما : أين أنا ؟؟ ... وإلى أين ستأخذانني؟؟  قالا لي: نحن حرسك إلى القبر

ارتعشت خوفا،  أي قبر؟  وهل ستدخلانني القبر فقالا: كل ابن آدم يدخله  فقلت: لكن..!

فقالا: هذا شرع الله في ابن آدم  فقلت: لم أسعد بها من كلمة في حياتي .. كنت أخشاها ويرتعد لها جسمي ... وكنت  أستعيذ الله منها وأتناساها.

لم أتخيل أني في يوم من الأيام داخل إلى القبر. سألتهم وجسمي يرتعش من هول ما أنا فيه: هل ستتركونني في القبر وحدي؟  فقالا: إنما عملك وحده معك فاستبشرت وقلت وكيف هو عملي؟؟ أهو صالح؟

وحطم صمتنا صوت صريخ أحدهم فالتفت أليه ... ونظرت إلى آخر .. فوجدته مبتسماً بكل رضا

وكل واحد منهما يرافقه اثنان كمن معي. سألتهما: لم يبكي؟!  فقالا: يعرف مصيره. كان من أهل الضلال  قلت: أيدخل النار؟ ورأفت بحاله وهذا؟؟ وكان متبسماً سعيداً رضياً .. أيدخل الجنة ؟ ماذا عني؟  أين سأكون ؟  هل إلى نعيم مثل هذا أم إلى جحيم مثل ذاك؟   أجيباني ..

قالا: هما كانا يعلمان أين هما في الدنيا. والآن يعلمان أين هما في الآخرة وأنت؟! كيف عشت دنياك؟؟  فرددت : تائهاً .. متردد ، ضعيفاً   قليلٌ من العمل الصالح ، وقليل من الطالح؟  أتوب تارة وأعود إلى المعاصي كما كنت؟  لم أكن أعلم غير أن الدنيا تسوقني كالأنعام.

فقالا: وكيف أنت اليوم هل ستظل متردداً تائهاً؟  فصرخت:ماذا تقصدان ؟ .. أواقع في النار أنا؟

فقالا: النار .. رحمة الله واسعة  ولا زالت رحلتك طويلة.

نظرت خلفي ... فوجدت عمي وأبي وأخي يبكون خلفي  يحملون صندوقاً على أكتافهم

ركضت مسرعاً إليهم   صرخت .. وصرخت .. ولم يرد علي أحد

أمي كانت بين الناس تبكي ... تقطع قلبي ،وذهبت إليها ... فقلت أماه ... لا تبكِي

.. أنا هنا أسمعيني ... أمي ... أمي ... أدعي لي يا أمي ....وقفت بجانب أبي : وهمست

في أذنه: أبي ... استودعتك الله أمي يا أبي ... فلترعها ... ولتحبها كماأحببتنا .. وأحببناك ...

ناديت  أخي ... إنه أحب إليّ من نفسي ... وقلت له ... يا أحمد  فلتترك الدنيا خلفك ...

إياك ورفقة السوء وعليك بالعمل الصالح ... الخالص لوجه ربك ... ولا تنس أن

تدعو لي وتتصدق عني .. وتعتمر لي ... فقد انقطع عملي .. فلا تقطع عملك. فقد فاتني .. ولم يفتك أنت ... وتذكرني ما دامت فيك الروح وإياك والدنيا فإنها رخيصة لا تنفع من زارها ... وقفت على رأسهم كلهم ... وصرخت بكل صوتي:وداعاً أحبتي .. لكم يحزنني فراقكم ... ولكن في دار المعاد لقاؤنا .. نلتقي على سرر متقابلين .. إن كنا من المقربين أوأصحاب اليمين ..  لم يجبني أحد ... كلهم يبكون ... ولم يسمعني أحد ... تقطع قلبي من فراقهم دون وداع  لم أتمنّ قبل ذهابي إلا أن يسمعوني   وشدني صاحباي .. وأنزلاني قبري  ووضعا روحي في جسدي ورأيت أبي يرش على جسدي التراب

حتى ودعني .. وأغلق قبري وهم  لا يشعرون بما أشعر

أحسدهم على الدنيا ... لطالما كانت مرتع الحسنات ولم آخذ منها شيئاً  لكن لا ينفعني ندم

كنت أبكى وكانوا يبكون   كنت أخاف عليهم من الدنيا  وأتمنى إذ صرخت أن يسمعوني

وعادوا كلهم ، وسمعت قرع نعالهم  وبدأت حياتي ... في البرزخ ..

لا إله إلا الله ... لا إله إلا الله .... لا إله إلا الله".