رجل في جسد امرأة
دلال رشاد -غزة-فلسطين
صرخ في وجهها قائلا هل أنت امرأة؟
انتفضت من شدة غضبها وهرعت إلى خزانتها والى صورها والى كل ما يدل على هويتها الأنثوية ثم انخرطت في بكاء شديد مستمر...جاءها صوته قاسيا متحديا..
- وما يهمني من كل هذا؟ ما يهمني إن كنت تملكين جسدا فاتنا لكنه لا يشعر؟
فلتكوني ملكة جمال الكون وما يهمني من ذلك؟
ما فائدة آلة حديثة لا يمكنها إن تعمل؟ هل أستخدمها للزينة؟ ها أخبريني..
لقد سئمتك..هل تفهمين..لقد سئمتك..
لقد أصبحت عبئا على حياتي بل على آدميتي..الله أكبر..الله أكبر
قال كلماته ثم خرج غاضبا من البيت..
لم تشفع لها خدمتها له ليل نهار..لم يشفع لها تجملها له وطاعتها شبه العمياء..
انه يطلب منها شيء لا تستطيعه ولا تجيده ولا تعرف كيف يكون..
انسحبت بذاكرتها إلى الماضي البعيد..
"آنستي أنت تعانين من مرض نفسي يسمى ترانسسيكشوالزمTranssexualism
أي أنك بيولوجيا أنثى كاملة الأنوثة ولكن في أعماقك ترفضين ذلك وتعيشين شخصية الرجل بداخلك وأتوقع انك ستكونين زوجة فاشلة في حياتك الزوجية إن تزوجت"
حاولت جاهدة أن تتذكر اليوم الذي رفضت فيه أنوثتها..
أصوات من الماضي تنبعث بقوة من جديد..ممتزجة بأصوات داخلها..
" ماما حبيبتي أنت بنوتة حلوة والبنوتة لا تلعب بالشارع"
..أمي أرجوك أريد أن أكون ولدا كي العب بالشارع ..سأحلق شعري وسأصبح ولدا..
حلقت شعري وما أصبحت ولدا..هنيئا لبينوكيو الذي وجد الحورية الطيبة فحولته من طفل خشبي إلى طفل حقيقي..أين تلك الجنية الطيبة التي ستحولني من بنت إلى ولد..
"بابا حبيبتي اجلسي بطريقة أفضل فأنت ترتدين فستان"
..أبي الحبيب ستكون هذه آخر مرة ارتدي فيها الفستان فانا أحب أن أتحرك براحتي..
منذ ذلك اليوم لم ارتد الفساتين..عوضا عنها ارتديت البناطيل, لكن دوما كان فوق البنطال جلباب وفوق الجلباب حجاب طاعة لأوامر من خلق الجسد والروح..لا ضير.. لن يقيّد الحجاب من حرية حركتي ولا من قوة انطلاقتي..أنا مسلمة أولا وقبل كل شيء..وحريتي استمدها من الإسلام لا من خارجه..
"..يا بنات من حق الرجل تأديب زوجته إن هي أخطأت بعد أن ينصحها أولا ويكون تأديبها بالهجر ثم بالضرب.."
..يا معلمتي فماذا لو اخطأ الرجل لماذا لا يحق للمرأة تأديب زوجها إن اخطأ؟ يا معلمتي والله لا اسمح لأحد أبدا بان يضربني مهما كان مبرر الضرب..
عندما فكرت في تعلم فن الدفاع عن النفس كان ذلك من اجل زوج المستقبل المحتمل لا من اجل مكافحة قطاع الطرق..
"يا بنات.. في الإسلام يحق للرجل أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع"
..يا معلمتي هل يحق للمرأة أن تفعل مثل الرجل؟ يا معلمتي لماذا لا يكتفي الرجل بواحدة؟ يا معلمتي كيف تتزوج المرأة من رجل تعلم مسبقا حقه المطلق في التعددية؟ يا معلمتي والله لن أتزوج أبدا..
" القراءة والفهم هما غذاء الروح ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"
..ما أجمل كتابات المنفلوطي وعلي الطنطاوي ونجيب الكيلاني..ما أجمل تأملات سيد قطب وما أقوى خطابات عبد الناصر, ما أروع رمزية كتابات غسان كنفاني وما أقوى تمرد جبران خليل جبران..
لم تعد تخيفني مثنى وثلاث ورباع..
لأنها ببساطة لا تنطبق علي..لأنني لست امرأة
أنا روح ..والروح لا جنس لها..إذن بالتأكيد لهذه الروح مكان في الإسلام..
أفكار تأتي وتذهب وتجول دون أن يقيدها زمان أو مكان,وكما الطائرة الورقية تتماوج في السماء ارتفاعا وانخفاضا , بسرعة وببطء أحيانا كانت مشاعرها تتجاوب مع تلك الذكريات وما يصاحبها من أفكار..
رفضت أن تجعل لرجل مكانا في قليها وقرأت عن سن المراهقة ولم تعشه, قرأت عن لغة الجسد ولم تتقنها.. كان أخوها الأصغر يهزأ منها قائلا :
"أنت تقرئين كل شيء عن الحرب العالمية الأولى والثانية ..كل شيء عن أي شيء لن يفيدك في حياتك شيئا..اقرئي عن فنون الطبخ والديكور المنزلي..اقرئي عن الذي يحبه الرجل في المرأة وما تحبه المرأة في الرجل..اقرئي أشياء تفيدك في حياتك المستقبلية فأنت لن تكوني شيئا سوى امرأة تطبخ وتغسل حتى لو ناطحت رأسك الفضاء"
عاشت مع الكتاب وبين الكتب..إن أعجبتها فقرة أعادت قراءتها عشرات المرات..وخطت بقلمها عندها الملاحظات وان لم تعجبها فقرة تجاهلتها ولم تعرها اهتماما..
إذا تجاهل الإنسان أمرا أصبح هذا الأمر غير موجود بالنسبة له حتى لو كان حقيقة موجود على ارض الواقع ..هكذا كانت تعتقد..
الكتب كانت نعمة الحياة العظمى بالنسبة لها..لكنها عزلتها تماما عن عالم النساء المتكيف بذكاء يخالطه الكثير من الدهاء مع غطرسة وعنجهية الرجال.
نعم الفتاة الهادئة الوديعة هي..هكذا كانوا يعتقدون..
وفي أعماقها كان يسكن رجلا جامحا متمردا وعنيدا..
كانت تحب الرياضة العنيفة وتجيد الكاراتيه وعندما تدخل في مباراة تدمي منزليها ولا تستفيق إلا على تقريع المدربة لها على عدم التزامها بآداب فن الدفاع عن النفس.
جذبها صوت عصفورها من عالم الخواطر المختلط الأفكار والمشاعر إلى عالم غرفتها المنظم ببرود..
نظرت إلى المرآة..
ربطت شعرها بحزم إلى الخلف..
وفكرت..
لقد كنت بخير من قبل ..
هذا الزواج يجعلني اشعر بالتعاسة..لقد كنت اسعد حالا من قبل..تزوجته لأجل والدي وحاولت أن أكون كما يريدني الآخرون أن أكون..
في الحقيق وجوده في حياتي عبء على آدميتي أنا وليس على آدميته هو..
قال لي الطبيب بأن الحل يكمن في تحولي البيولوجي إلى رجل , عندها فقط سأنعم بالسلام الداخلي..
أن أقوم بإغضاب ربي كي ارض نفسي, هذا هو الحل في نظر ذلك الطبيب.
حسنا..ماذا سيقول ذلك الطبيب المأفون ل 99.9% من طالبات مدارس الثانوية اللواتي يتمنين لو أنهن خلقن رجال؟
من تلك الإنسانة الآدمية التي ستدرك انه لا يحق لها في بيت زوجها الا ان تكون متاعا صالحا, متاعا خالصا له, يحق له ان يطلقها وقتما شاء ويتزوج عليها كيفما شاء..ثم لا تتمنى لو أنها خلقت لتكون رجلا؟..
من تلك التي ستدرك بان البحر والسماء والركض الضاحك على الرمال والخروج بعد الغروب , كل ذلك من حق الرجال..وحتى لو اختنقت هي من الضيق والهم فلا يجوز لها أن تخرج إلا بموافقة الرجل أو بمرافقة الرجل..
أن تبقى طيلة العمر سجينة أسيرة لا يحق لها إلا فتات حرية يمنحها لها المفتي رجل دين العصور الوسطى بعد أن تجود عليه قريحته بناء على فهمه الخاص لحكمة النصوص الدينية ما خفي من حكمتها وما بطن..
من تلك التي ستتمنى لو أنها خلقت معاقة بحاجة دوما إلى وصي والى دليل؟؟
من تلك التي لن تتمنى من كل أعماقها لو أنها خلقت لتكون رجلا..
تنبهت على صوت باب البيت يفتح ووقع أقدامه تتجه نحو غرفتها..
اقترب منها هامسا وبصوت يفيض رقة وعذوبة قال لها:
حبيبتي..أنا آسف..أعذريني..
حبيبتي هيا بنا نتناول طعام العشاء ..لقد أحضرت لك الطعام الذي تفضلينه..
نظرت إليه بتصميم الرجل الساكن في أعماقها ونطقت بكلمة واحدة فقط..
(طلقني.)