رسالتان

رسالتان

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

ضمها إلى صدره ‘و هو يبتلع ريقه ،وأخفى وجهه في شعرها الطويل المسترسل على كتفيها ،وهي تقول متوسلة : أبي  ! اكتب  لأمي أن تعود ، فالطبيبة تقول إ نني أستطيع الخروج  بعد يومين

كان طلب الطفلة التي لم تتجاوز السادسة محرجا له كما في كل مرة  ؟ ! أخرج ورقة ، وامسك بالقلم الذي راح يهتز بيت أصابعه ،ومضى يتظاهر بالكتابة ، فخط في أول الصفحة كلمة :يا ر ب .

كفت الطفلة عن الحديث بانتظار انتهاء الرسالة ،ثم التفتت وقد لاحظت أنه لم يكتب شيئا سوى كلمة واحدة ! لتقول :أاكتب لها يا أبي أن تأتي إلى هذا المستشفى ، فالأمهات لايمكثن هنا طويلا  .

هز أحمد رأسه موافقا  ،وراح ينقل بصره بينها وبين الورقة ليخط ثانية :يارب ،ثم خط ثالثة ورابعة :يارب  ... يارب ...وتمتم :لقد أعيتني الحيل .ثلاث سنوات مر عليها وهي تنتظر امها  ،وأمها لا تزال خلف القضبان ................إلهي !مايئست من رحمتك ، ولكن صبري يكاد ينفد ،وحيلتي تعجز  أمام طفلتي ،فأنا لهل أب وأم ؟!!

طوى الورقة وهو يحاول أن يثبت ابتسامة ما على شفييه , ونظر إلى الصغيرة التي تهللت أ ساريرها .غدا سنرسل هذه الرسالة ,أرضيتِ الآن ؟

هزت الصغيرة  رأسها وهي تغالب حياءها المشوب بالرضا قائلة :ولكنك لم تقرألي رسالة أمي ؟ !

حسنا ياصغيرتي ، وأخرج ورقة أخرى ، ونظر فيها ؛إنه يحفظ كلماتها في  كل سطر.   استعجلته الصغيرة ! فأشار إليها بيده أن تتمهل ، قائلا : أولا أقرؤها لنفسي ،فأعلم ماذا تقول ،ثم أقرؤها لك ...............  وراحت عيناه تتابع السطور ، وهو يحس من خلالها بأنفاس زوجته زبيدة  .

عزيزي أحمد :

الرضا بقضاء الله يجعل الصعب سهلا ، والعسر يسرا  ! كنت أخبرتك في رسالتي السابقة أن مدة الحكم ستنتهي في أول تموز ،وكانت السجينات ينتظرن مثلي  ، ولكننا فوجئنا بأن الأمر العرفي الجديد يشمل الموقوفين القدامى أيضا ؟ ! !

ومع ذلك فقد رضينا بما قدر الله وقضى ............. إنه وقت فراغ جديد نستغله في حفظ بعض أجزاء القرآن ........... ارجو أن تكون تفعل ذس لك  ؛ فإنني  حفظت حتى الحادي والعشرين  .

سلامي لك وأشواقي  ،وقبلاتي للصغيرة الحبيبة سمية  .

وكان الله في عوننا جميعا .

المخلصة زبيدة

طوى الورقة وهو يتمتم ببعض الكلمات  ، وكأنه ذهل عن وجود الطفلة  التي أمسكت بيده  لتقول : لقد نسيتَ أن تقرأ لي رسالة أمي يابابا  ؟!

عفوا ياصغيرتي ............  وفتح الرسالة مرة أخرى  ،وراح يتذكر الكلمات التي يقرؤها لها في كل مرة  ؛خشية أن يلفت نظرها تبديل كلمة بكلمة ،ثم قرأ :

حبيبتي سمية  ،عزيزي أحمد :

أنا بخير والحمد لله  ،ولن  يطول بقائي في المستشفى ، سأجلب لك الهدايا وكل ما تطلبين  ، وأرجو ياسمية أن تطيعي أباك  ؛ فهو يحبك كثيرا، كما احبك .

سأعود إليكم سريعا بإذن الله  ، فاعوا الله لي بالشفاء  وإلى اللقاء ياعزيزتي الصغيرة ، قبلاتي الحارة لك ، وسلامي للوالد أحمد

أم سمية