ومن أظلَمُ
ومن أظلَمُ؟
محمد الخليلي
(ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) البقرة 114
اعتاد أبو حسام أن يجلس مع أولاده وزوجه كل يوم لقراءة جزء من القرآن ، وخلال القراءة يعلمهم أحكام التجويد ، ويزرع في نفوسهم حب الله وحب رسوله وكتابه من خلال تعليقاته على بعض الآيات القرآنية الكريمة ، كما أنه كثيرا ما يسمح لأولاده بالاستفسارات عن معاني بعض الكلمات والآيات فيجيب عنها مستعينا ببعض التفاسير المتوفرة لديه ، مبينا لهم أسباب النزول والأحكام الفقهية المتعلقة بها وما إلى ذلك من أمور تتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل .
ومرة كانوا يقرأون سورة البقرة ويتدارسونها بينهم فقال حسام لوالده بعد أن قرأ الآية 114 من سورة البقرة
حسام : أظن ياأبتي أن هذه الآية تخص غير المسلمين .
الأب : بل تشمل المسلمين وغير المسلمين .
حسام متعجبا : وهل يمكن لمسلم ياأبتاه أن يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ؟!
الأب : بل يمكن أن تنطبق عليه الآية بأكملها بما فيها الجزء الذي يقول : ( وسعى في خرابها ) .
ساجدة ( وقد وقفت على رجليها ) من شدة الدهشة : أمعقول ياأبي أن يقوم مسلم بخراب مساجد الله ؟
أردف حسام متسائلا ً ، لعله مسلم لكنه لايصلي ؟
الأب : من الممكن جدا أن يكون من المصلين الذين يواظبون على الصلوات الخمس خلف الإمام و..
قاطعته الأم قائلة : لقد كدت أن تخبلنا ياأبا حسام ، أرجو أن توضح لنا كيف يمكن لمسلم مصل مع الجماعة أن يمنع مساجد الله أن يُصلى فيها ؟ ثم كيف يتجرأ على خرابها .
2
الأب : هوِّنوا عليكم أيها الأحباب ، فسأقص عليكم قصصا من الواقع وليس من نسج الخيال .
الجميع : كلنا آذان صاغية وفي لهفة أن نعرف قصص الذين يمنعون مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه ، وقصص الذين يسعون في خراب هذه المساجد .
الأب : النقطة الأولى التي يجب أن تعوها جيدا قبل أن أسرد عليكم بعض القصص من واقع الحياة التي عشت هي أن المسلم وإن كان مصليا فمن الممكن أن يعمل أي سوء إذا لم تكن صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر . أما النقطة الثانية فهي أن بعض المسلمين إذا تعارض حكم أو مبدأ من مبادىء الإسلام مع أهوائهم ومصالحهم فإنهم يقدمون المصلحة الشخصية حتى ولو كانت العامة تخص مساجد الله كما ذكرت الآية 114 من سورة البقرة ، تماما مثل مايفعل أعداء الله من غير المسلمين في مساجد الله التي كنتم جميعا تظنون أنه لايمكن أن يحاربها إلا الكفار .
اسمعوا جيدا يأحبابي : في معظم بلاد المسلمين تُسَّن قوانين لمحاربة مساجد الله ، كأن تُغلق المساجد مابين الصلوات إجباريا ، وأن يُمنع كثير من الدعاة من إعطاء الدروس في المسجد أو حتى إلقاء خطب الجمعة
حسام : أظن من أجل ذلك مُنع الأستاذ أبو محمود من إعطاء الدروس في مسجد حيِّنا ياأبي .
الأم : وكذلك منعت أم توفيق من إعطاء الدرس الأسبوعي النسائي الذي كان تحضره أكثر من خمسمئة امرأة من كل أحياء المدينة .
الأب : سأقص عليكم هذه القصة فقد حصلت معنا عندما كنا طلابا في الجامعة فقد أصدر عميد الكلية قرارا بإغلاق المسجد الوحيد في الكلية الذي كان الطلاب والطالبات يصلون فيه . نحن الطلاب أصبحنا نصلي في الممرات ، أما الطالبات فللأسف كن يصلين تحت الشجيرات البعيدة عن أنظار الناس . ثم هل تدرون مافـُعلَ بالمكان الذي كان مخصصا ً للصلاة ؟
الأم : لقد عملوه قاعة تدريس .
الأب : ياليتهم .
حسام : اتخذوه غرفة للإدارة .
الأب : بل أخس من ذلك .
3
ساجدة : إذا ً اتخذوه مختبرا ً .
الأب صدقت ياحبيبتي ساجدة ، ولكن أي نوع من المختبرات ؟
الجميع بلهفة : قل لنا بالله عليك
الأب : مختبر اللغويات للطلاب الأجانب .
ساجدة : وهل هؤلاء الأجانب مسلمون أم كفار ؟
الأب : للأسف معظمهم من الكفار .
حسام : يعني هذا أن المسجد حُوِّل من خدمة المسلمين إلى خدمة الكفار !
الأب : نعم وبأمر عميد الكلية المسلم . ولكن هل تدرون ماذا حصل له ؟
الجميع مرددين : قل لنا من فضلك .
الأب : لقد مرض مرضا عضالا لم يمهله إلا شهورا عِدَّة مات في إثره شر ميتة .
حسام : كيف مات ياأبي ؟
الأب لايهمنا ذلك ، وإنما سأرجع بكم في التاريخ إلى الوراء لأذكركم ما قد درستموه في التاريخ كيف هد م التتار والصليبيون والمغول آلاف المساجد خلال غزوهم لبلاد المسلمين ، وكيف حَوَّل الإفرنج بعد سقوط الأندلس مساجد المسلمين إلى كنائس ، والصليبيون عندما احتلوا بيت المقدس جعلوه اسطبلا ً لخيولهم ، واليوم يهدم اليهود الملاعين في إرض الإسراء والمعراج في فلسطين الحبيبة مئات المساجد ، في حين لم يهدم المسلمون في تاريخهم كنيسة أو كنيسا أو أي دار عبادة لغير المسلمين .
ساجدة : لقد درسنا في التاريخ ياأبي أن كثيرا من المساجد في بلاد الأندلس قد حُوِّلت إلى كنائس .
الأم : لقد رأيتها وأبوك حين زرنا اسابنيا قبل سنوات وبخاصة مسجد اشبيلية الكبير .
الأب : والآن عودة بكم إلى بلاد المسلمين ، فسأقص عليكم حكايات عجيبة عن بعض المسلمين الذين حاربوا الله ومساجده .
ساجدة : نحن في شوق لسماع قصصك المفيدة ياأبتاه .
الأب : لايكفي ياأولادي أن نعرف تفسير الآي القرآني دون أن نسقطه على واقعنا المعاصر و..
قاطعته ساجدة متعجبة : ألا ينكسر إذا أسقطناه ياأبي ؟
4
حسام رادا ً( قبل أن يرد أبوه ) : هذا السقوط لايكسر أيتها الفهيمة .
ساجدة : أنا سألت بابا ولم أسألك أنت ، أرجوك لاتتدخل .
حسام : وأنت كفِّي عن الأسئلة السخيفة .
ساجدة : ألم أقل لك ألا تتدخل ، ماما قولي له ذلك ، فأنا لاأتحمل غلظته .
حسام : بل أسئلتك تنمّ عن جهل مطبق .
ساجدة : أرجوك ياأمي أن تطلبي منه ألا يتعالى عليّّ ، فهو يكبرني بثلاث سنوات فقط ، وخلال هذه السنوات الثلاث قد تعلم في المدرسة بعض الأمور التي لم أتعلمها بعد ، ثم ألم يكن هو في سني يسأل مثل هكذا أسئلة والتي يسميها سخيفة ؟
حسام رادا ً(دون أن يدع مجالا للوالدة أن ترد ) : البتة .
ساجدة : دائما ماتتفوه بكلمات غريبة تظن بأنك إن أصبحت في الإعدادية وأنا مازلت في الابتدائية أنك تكبرني بعشرين عاما ً ، ثم لم يبقَ لي إلا سنة واحدة حتى ألتحق بالمرحلة الإعدادية .
حسام : لا ، ليس إلى هذا الحد ، فالفارق السني بيني وبينك ثلاث سنوات فقط ، لكن الفارق المعرفي فيفوق الخمس سنين .
ساجدة وقد أجهشت بالبكاء : لو كان عندك أدنى احترام لأبويك ، لما قطعت عليهما الرد أكثر من مرة .
حسام : أعترف أنني قاطعتهما غير مرة ولكنني ..
أشارت الأم بيدها لحسام أن يكف عن الكلام وقالت : لقد تركتكما هنهية لكي تتحاورا حوارا أخويا ، ولكنني عندما رأيتكما تتحاوران (حوار الطرشان) ، قررت أن أتدخل . فلقد أخطأتما عدة أخطاء وخاصة أنت ياحسام و..
حسام مستفسرا : وماهي ياأماه ؟
الأم : في جملتك الأخيرة ارتكبت خطأ واستعملت مفردة رائعة .
ساجدة : وما هما ياأماه ؟
الأم : أما الخطأ فهو المقاطعة المتكررة للمتكلم قبل أن يتم كلامه ، أما المفردة الرائعة فهي كلمة ياأماه ، فهي أفضل كلمة - إلى جانب قولك لأبيك ياأبتاه وياأبتِ - يمكن أن يسمعها الأبوان ، وقد استعمل سيدنا ابراهيم عليه السلام كلمة ياأبت أربع مرات في سورة مريم في خطابه
5
لأبيه يدعوه فيه للإيمان ونبذ الشرك وعدم اتباع وساوس الشيطان وتزيينه حتى لايكون المرء وليا ً من أولياء الشيطان . وقد ذكر كبار المفسرين أن أداة النداء هذه هي مطلق مايتحبب به الإنسان في الخطاب مع والده إذا كان يريد أن يطلب منه شيئا ، أو يود أن يقنعه بأمر جلل . حتى إن بعض المفسرين قالوا إن مجيء كلمة ياأبتِ هكذا من دون ياء هي أخف مايكون وزنا ً، وهي هكذا على قراءتنا حفص عن عاصم بطريق الشاطبية ؛ لأنه هناك قراءات أخرى تثبت الياء فتصير اللفظة ياأبتي .
حسام : هناك بعض الأبناء ينادونهما (مامي وبابي ودادي) فهل يصح منهم ذلك ياأماه ؟
الأم : هذه مفردات من لغات أجنبية ، ونحن المسلمين منهيون عن تقليد غير المسلمين ، وإن في لغتنا العربية الغنية الجميلة الجزلة مايغني عن هذه التراكيب .
ساجدة : أريد أن أسأل عن معنيين اثنيين ، أولا ً مامعنى تزيين الشيطان ، وثانيا مامعنى أمر جلل .
حسام : هل تأذنين لي ياأمي أن أجيبها ولي أيضا سؤال عن القراءات ؟
الأم : أحسنت ياحسام باستئذانك ، فهذه أول بوادر الخير في إفادتما من نصائحي ، أجبها وسأؤجل الإجابة عن سؤالك قليلا ً.
حسام : الأمر الجلل يعني العظيم ، أما تزيين الشيطان فهو أنه يجَّمل الأشياء القبيحة للإنسان لكي يقع فيها .
الأب : تمام ياحسام الشاطر ، فأنت لم تنسَ الأمور التي علمتك إياها في السابق .
ساجدة : أنا آسفة ياأماه ، فلقد أزعجتك وأبي في جدالي مع أخي ، ولكن هل لك أن تكملي لنا ماهي الأخطاء الأخرى التي وقعنا بها أنا وأخي حسام خلال (حوار الطرشان ) ، وما معنى هذا الحوار .
الأم : حسنا ً ، حوار الطرشان هو اصطلاح عامي يعني حوار الصمِّ البكم ، وهذا ينسب إليهم زورا وبهتانا ً ، لأن الصمَّ البكم حين يتحاورون يتأدبون في حوارهم أكثر من المتكلمين السامعين ولكنه استعمال مجازي
6
حسام : مامعنى كلمة مجازي ، ولماذا ورد اصطلاح الصم البكم في القرآن غير مرة .
الأم : سأجيبك عن السؤال الأول ، وأحيل الثاني لأبيك . أما جواب السؤال الأول فمجازي يعني أنه ليس على سبيل الحقيقة ولكن للتشبيه والتقريب .
الأب : شكرا ً لك ياأم حسام ، أما الجواب عن تكرر ورود مصطلح الصم البكم في القرآن الكريم ، فقد جاء في كل المواضع على سبيل المجاز كما أسلفت أمك ، وهو دائما في معرض الذم للذين يصمون آذانهم وقلوبهم وعقولهم عن سماع كلمة الوجود الأولى وحقيقة الكون الأزلية ألا وهي كلمة التوحيد (لاإله إلا الله ) ، وأولئك الذين يبكمون أفواههم عن قول هذه الكلمة العظيمة فهم كالصم الذين لايسمعون والبكم الذين لاينطقون . وسأضرب لكم ثلاثة أمثلة من القرآن نفسه .
أول ماورد مصطلح الصم البكم فهو في أوائل سورة البقرة في وصف الله عز وجل للمنافقين والكافرين فقد شبههم بالصمِّ البكم في قوله تعالى : ( صم بكم عمي فهم لايرجعون ) أي أنهم لايستطيعون الرجوع إلى حظيرة الإيمان التي ولجوها ثم مالبثوا أن دخلوا عالم النفاق .
أما في الموضع الآخر من سورة البقرة ذاتها في قوله تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءا ، صم بكم عمي فهم لايعقلون ) . وتلاحظون هنا ياأبنائي كيف قرن الله عز من قائل لفظة العُمي مع لفظتي الصم والبكم ، وهنا يتكلم حصرا عن حال الكفار الذين يصمون آذانهم وعقولهم عن سماع الحق ، ويعمون أبصارهم وقلوبهم عن رؤية الحقيقة الخالدة .
حسام : أرجو أن توضح لنا أكثر ياوالدي تفسير هذه الآية .
الأب: إن حال الكفار الذين يسمعون الحق من الرسل والكتب ثم لايتـَّبعونه كحال الماشية مع الراعي ؛ فهو ينادي عليهم بأصوات كي يذهبوا إلى غدير الماء للشرب على سبيل المثال ، فهم يستجيبون لدعائه ولكنهم لايعون كنهه ، وهكذا حال الكفرة المكذبين الذين يسمعون نداء الحق ولايعونه اتباعا وتطبيقا . وتلاحظون ياأحبابي أن فاصلة هذه الأية كلمة يعقلون ؛ لأنهم لم يهتدوا أبدا إلى الحق ، أما في الآية السابقة فالفاصلة كانت لايرجعون ؛ لأنهم عرفوا الحق ثم رجعوا عنه إلى النفاق .
7
ساجدة : من أين حصلت على هذا التفسير الرائع ياأبتي ؟
الأب : من تفسير العلا َّمة محمد متولي الشعراوي رحمه الله .
أما الموضع الثالث فهو في سورة الأنفال في قوله تعالى :) إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون ) . وهنا لم ترد لفظة العُمي لأنه يتكلم حصرا في الآيات السابقة واللاحقة عن السماع فقط .
والآن عودة إلى والدتكما الكريمة لتكمل لكما الملاحظات التي جنتها من حواركما الطرشاني ولنعرف ماهو سؤال حسام بالتحديد .
ضحك الجميع ، ثم قالت الأم : شكرا يازوجي العزيز الذي لاتنفك تعلمنا محاسن التفسير .
حسام : أريد أن أسأل عن موضوع القراءات التي تفضلتِ بها ومن أين جنيت هذه المعلومات ؟
الأم : أولا ًَ موضوع علم القراءات القرآنية فقد درسته على أبيك حفظه الله ، أما فيما يخص هذا العلم فسأشرح لك باختصار عن قراءتنا في بلاد الشام ، وهي قراءة حفص عن عاصم ولها طريقان : الشاطبية وطيبة النشر .
هناك عشر قراءات متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا العلم أصبح يُدرس في الجامعات ولله الحمد والمنة بعد أن كان في السابق يُدرس على يد الشيوخ فحسب .
هذه القراءة مستخدمة عندنا في بلاد الشام الحجاز ومصر وبها نقرأ القرآن ونصلي به وأنا بفضل الله قد أخذت إجازة من أبيك حفظه الله بهذه الطريقة قراءة وإقراءً ، كما أحمل سندا متصلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمثلا : أنا قرأت على أبيك عن شيخه عبد الرحيم طويل عن شيخه محمود إدريس عن شيخه عبد الودود الزراري ، إلى أن يصل السند المتواتر إلى الإمام الشاطبي عن علي بن هذيل على سليمان بن نجاح على أبي عمرو الداني عن حفص عن عاصم بن أبي النجود على عبد الله بن حبيب السلمي على الصحابة عثمان وعلي وابن مسعود وأبيّ على النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن ربه تعالى . هكذا تكون القراءة المتواترة ياحبيبي حسام .
رفعت ساجدة يدها قائلة : أريد أن أسأل سؤالا ياأبي .
8
الأب : شكرا على استئذانك فهذا من آداب الكلام ، تفضلي ياساجدة .
ساجدة : مامعنى الفاصلة القرآنية التي ذكرت قبل قليل .
الأب سأعتبر هذا السؤال آخر استطراد منكما ؛ كيما تكمل أمكما ملاحظاتها عن حواركما ، ومن ثم أتمّ لكم القصص التي رويت لكم أكثر من نصفها .
الفاصلة القرآنية ياساجدة هي نهاية كل آية ، فكما أن القافية في الشعر هي نهاية كل بيت في القصيدة ، فإن الفواصل هي نهايات الآيات .
ساجدة : لقد حسبتها الفاصلة التي هي من علامات الترقيم .
حسام : ألم يقل لك بابا ألا تعلِّقي بأي استطراد؟
ساجدة : ألم تقل لك ماما لاتقاطع من يتكلم ؟ ثم إنني لاأعرف معنى كلمة استطراد أصلا ً .
حسام : ألم اقل لك إنك ...
الأم : لاتعودا إلى حوار الطرشان ، فسأكمل لكما الفوائد التي يمكن أن تجنوها من خلافكما في الحوار .
أولا ً : الاحترام والرحمة ، تعلما الحديث النبوي الصحيح التالي : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف لكبيرنا قدره ) فحسام يجب عليه أن يرحم أخته الأصغر منه ، وساجدة يجب عليها أن تقدِّر أخاها حسام الأكبر منها وهكذا .
ثانيا ً : المراء يعني الجدال منهيّ عنه في ديننا الحنيف ، ففي الحديث الصحيح :( أنا زعيم في الجنة لمن ترك المراء وهو محق ) وفي الحديث الصحيح أيضا ً : ( ماضلَّ قوم بعد هدي ٍ إلا أوتوا الجدل ) .
والآن جاء دور أبيكما الغالي كي يكمل قصصه عن الذين يمنعون مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه ويسعون في خرابها كي يتم حلقة هذا اليوم من القراءة والتفسير ؛ لأنني يجب عليَّ أن أبادر لعمل الطبخ ، وإلا لما تغديتم اليوم .
ضحك الجميع ثم قال الأب : من قصص منع الذكر في بيوت الله أعرف أن رجلا ثريا في مدينتنا الحبيبة عمَّان بنى مسجدا ، ولكنه بعد أن انتهى من بنائه وضع لهذا المسجد أنظمة خاصة من مزاجه لم يتعارف
9
المسلمون عليها ، وبعد فترة وجيزة صار الناس يهربون من مسجده ويفضلون الصلاة في مساجد أخرى.
هذا ضرب من ضروب الصد عن بيوت الله عز وجل . أما القصة الثانية فهي أن بعض المسلمين يتأذون من سماع الأذان فيحاول بعضهم أن يقطع سلك السماعات المتجهة نحو بيته ، وهذا يعطل على كثير من المسلمين أداء صلاة الجماعة إذا لم يسمعوا النداء .
ولقد وصلت الخسة ببعضهم بأن يطلب من وزارة الأوقاف منع رفع أذان الفجر عبر مكبرات الصوت كي لايقطع عليه نومه .
وأخيرا وليس آخرا ًيحاول البعض أن يستولي على ملكية مسجد إذا لم يكن الذي بناه قد وقفه مسجداً مسجلا ًحسب الأصول ، فتحاول ذريته هدم المسجد بحجة عدم وقفيته وذلك للانتفاع به لكي يقيموا عليه مشروعا تجاريا يدر عليهم مالا ًحراما ً ، وفي أحد المرات حاول أحدهم عمل ذلك الفعل المشين ولكنه لم يفلح فقام بإغلاق متوضأ المسجد ومنافعه بحجة إصدارها الروائح التي تبعث في نفسه الشمأزيزة ، وهذه آخر مخترعات منع الذكر في مساجد الله والسعي في خرابها والتي سمعتها ورأيتها في حياتي . وإلى هنا ياأحبائي تنتهي حلقة اليوم لتذهب أمكما إلى المطبخ وأنتما إلى واجباتكما الدراسية .
حسام : فقط أريد أن أسأل سؤالا ً ياأبي من فضلك .
ساجدة : ألم يقل أبوك لاأسئلة !
حسام : أنت لاتتدخلي ؛ إذ لم أطلب الإجابة منك .
ساجدة : بل أنت ...
الأم : تنظر إليهما نظرة أن اسكتا .
الأب : أتمنى عليكما مرة أن تتفقا ربع ساعة فقط . ماهو سؤالك ياحسام ؟ أريد أن أجيبك لأنك استعملت لفظة من فضلك .
حسام : مامعنى الوقف ياأبي ؟
ساجدة (ساخرة) : الوقف يعني التوقف يافهمان ؟
الأم : تشير لها أن تخرج من الغرفة لأنها لم تلتزم بقواعد أدب الحوار .
الأب : الوقف هو أن يهب المرء من ملكه النقدي أو العيني لخدمة عامة المسلمين ؛ كأن يهب أرضا ً لبناء مسجد أو مدرسة أو مستشفىً ثم
10
يسجلها في سجلات الدولة الرسمية فتصبح موقوفة منافع للمسلمين إلى يوم القيامة . فهناك أوقاف في بلادنا من عصر الصحابة والتابعين .
حسام : أستسمحك بسؤالي الأخير هذا عن معنى المُلك العيني .
الأب : في المرة القادمة إن شاء الله ، إلى اللقاء .