قصة وداع
منى كوسا
[email protected]
على شاطىء مستقبلي المجهول أقف حائرة ,
لا أدري ما يخبئه لي بين أمواجه المتلاطمة من سعادة و شقاء .
وحده القدر جريء في تصرفه قادر على نكأ
الجروح و بعث الآهات و الذكريات.
ودعت أختي في جو كانت به الشمس في كبد
السماء تنهال بأشعتها الوهاجة على وجهي تسلمني حرقتها و الهواء معطراً يدغدغ خدودي
و يداعب ورود حديقتي .
كان وداعاً مؤلماً , ذرفت من عيني أحر
الدموع , بادلتها القبل و قد لمحت في و جهها مسحة من الألم الخفي , انفجرت من
عينيها دموع الحزن و الفراق تنصهر من حرارة فؤادها و لهيب نفسها , هي كالنسيم تبعث
في نفسي الحياة وكالدم يخفق في كياني حرارة الحب و الوفاء , زهرة العائلة العطرة ,
شعلة من ذكاء تزيد على أيامي مناراً .
قد جاء الغد و بعد الغد و بعد بعد الغد
و أنا أنتظر عودتها ولكنها غابت كما يغيب قوس قزح و سط السماء و لم تترك لي وراءها
غير الذكريات العزيزة القوية التي لن تغيب و صورها التي أدقق في كل جزء من أجزاءها
و ما يروعني منها مظهر النقاء و البراءة كما يذهلني بريق عينيها و فمها الذي كان
يسبح بأسماء الله , يحيطها بهالة من نور تأسرني و كل من حولها بسحر إيمانها
فالتهمها بعيني و روحي التهام النسر الجائع و أنا شاردة الفكر لا أعرف بماذا أعبر
حيال عواطفي المتدفقة التي لم تبق لي لساناً ينطق و لا حركة أعبر بها و ما أسعفني
القول هو تلك العبارة : يا أعز من نفسي على نفسي إن صورتك سأضعها في سويداء قلبي و
أغلق عليها جوانحي حتى لا تمتد لها يد إلا يد الله و لا تقع عليها عين إلا عين الله
.
ها هو اليوم بات رأسي مستودع للذكريات
استعرضها في سواد ليلي حين أذهب لغرفتي و ألجأ إلى نفسي إلا أن الزمن سراب .
فراقها صعب كان كالسيف الحاد تغمد في
قلبي و أنا أنشر الابتسامة قسراً , لكن تيقى العيون من حولي عاجزة كل العجز عن
اختراق حجب الخلايا و الدم للنفاذ إلى شرايين فؤادي مستودع الألام الحقيقية .
ترى هل يستطيع طائر مهيض الجناح محطم
القوادم أن يجوب الفضاء الرحيب , أنا ذاك الطائر المكسور الحزين , كل يوم أستيقظ و
المرض قد حًل بي و الألم المبرح يغري جسدي و منديلها المعطر تحت و سادتي, وحدها
موسيقا الحزن تتقدم نحوي دعوة للتأمل تخترقني بالحنين و إذا بذلك اللحن اليوم و سط
الذكريات يأخذ فجأة بعدها الأول عني . فقد كانت ربة الطهر و مهوى الفؤاد , من
أشعلت في قلبي جذوة من نار بدأت بالاتساع يوماً بعد يوم حتى اكتويت بحّرها و
اشتعلت بجمرها و لا أملك إلا أن أخط لها الرسائل المطوية بحرارة الحب النقي , أتضرع
إلى الله رب العباد أن يحفظها و يعلمني الصبر فقط .