تقاقي في بيتنا ..
وتبيض عند جيراننا
وليد رباح
قيل فيما مضى من الزمان ان دجاجة كانت تعيش في الهند مطمئنة .. تجد طعامها من خشاش الارض فلا تكلف اهلها مؤونة الطعام والشراب .. وكانت على علاقة حسنة بدجاج القرية ويشهد لها الفلاحون بحسن السيرة والسلوك .. فلم تكن تعتدي على ديك احدى الدجاجات الا بعد اذنها .. ولا تأكل قمح الجيران الا عندما يمنون عليها ببعضه .. ولا تدخل بستانا او ارضا مزروعة الا عندما تدعى اليها .. لكن ( المخاض) عندما يأتيها وتريد ان تبيض فانها تقطع الحدود ذاهبة الى الصين لكي تبيض هناك .. مما يعني انها كانت ( تقاقي في الهند ثم تبيض في الصين) .. ولم يكن في ذلك الزمان حراس لكي يمنعوا الدجاجة من اجتياز الحدود وهي ذاهبة آيبة.. ولم تكن تمتلك جواز سفر لختمه .. ولا تعطيها السلطات الصينية اقامة محددة بعد ان تبرأ من الام ( الولادة) .. وكانت تعود الى موطنها في الهند بعد ان تضع البيضة وتتجه فورا الى بيت في اطراف قرية هندية لكي تبدأ الحمل والبيض من جديد .. حيث ينتظرها الديك ((هوشار بوشار) لكي يلقحها على خير ما يرام .. ويحملها مع اللقاح حبه وهيامه وغرامه وابتهالاته بان يحميها الله وهي متجهة الى الصين كي تضع البيضة .. وكان الناس في كلا القطرين يتساءلون .. لم تفعل الدجاجة ذلك ؟ هل تحب اهل الصين اكثر ممن يطعمونها ويأوونها ويغارون عليها من الديكة ؟ هل .. وهل .. لكنهم ما كانوا ليجدوا جوابا على تساؤلاتهم ..
وكانت الدجاجة تفرح فرحا طاغيا عندما يلتقط الفلاح الصيني ( من شان شو ) بيضتها لكي يقليها لاطفاله الصغار او يصنع منها ( عجه) او يخفيها في مطبخه مؤجلا طبخها للزمن الصعب .. او يدعو اهل القرية بكاملهم لطعام العشاء الذي يحويها مع طن من الطحين مما يسمى في ذلك الزمان ( عجة ) بالطحين وليس طحينا بالعجه .. ولم يكن الطعام الصيني الذي نأكله اليوم في امريكا مثل ( الثيران ) قد اخترع بعد .. ولم يكن سفير الصين في الولايات المتحدة ( ياما شفتو ياما) قد استلم منصبه العظيم بعد .. فاصبح امريكيا اكثر من الامريكيين انفسهم . ولم يكن الزعيم ( ما وتسي تونغ ) قد ولد .. حتى ولا هوشي منه ..
ما لنا ولدس بعض الكلمات السياسية في ( الخريفه) .. فالسياسة كما نعلم تياسه .. ودعونا نكمل الحدوته حتى آخرها ..
وفي غفلة من الزمان غضب احد الهنود من جاره الصيني على حدود وطنهما .. فتلاسنا في الكلام فقال الهندي للصيني: احمد ربك على نعمنا عليكم .. فاننا نطعمكم من بيض دجاجنا .. ولولاه لمتم من الجوع .. فغضب الصيني وقال للهندي : احمد ربك على اننا نسمح لدجاجتك الهرمة بالدخول والخروج الى موطننا دون اعتراض مما يعني اننا ديمقراطيون متسامحون .. وأقسم انني ان رأيتها ثانية لاذبحنها حتى لا نسمع منك كلاما يقطر سما زعافا .. قال الهندي : فمن اين تأكلون اذا ما ذبحتموها ؟ قال الصيني منتفخا : نموت من الجوع ولا تمنن علينا !! ثم انتهى الحوار الساخن بان ادار كل منهما ظهره واتجه نحو حدود بلده ..
ومضت سنين طويلة هرمت فيها الدجاجة واصبح وزنها زائدا وخطواتها متثاقلة .. ولم يجرء الصيني على ذبحها لانه كان يمني نفسه بليلة عشائية عند الفلاح من شان شو .. وتركوها على حالها تذهب الى الصين متثاقلة وتعود خفيفة بعد ان تضع البيضة .. ولكن الامور لم تدم على هذا الحال فقد حدث تحول افجع البلدين ..
اعلنت اذاعة الهنود في قرية ( شرامان ) ان الدجاجة الهندية الصينية قد نفقت .. وأن عمدة البلدية قد أمر القائمين على الدفن ان وصيتها سوف تفتح بعد غرسها في باطن الارض .. وغضب الصينيون لان احدا لم يدعهم لعملية الدفن وطلبوا رسميا من سفيرهم في دلهي ان يفعل ذلك .. فقامت الحكومة الهندية بالاستجابة لطلب السلطات الصينية .. ووجهت دعوة رسمية للسفير الصيني بان يحضر عملية الدفن شرط ان يكون بناء القبر على نفقته الخاصة .. فوافق على ذلك .
وفي حفل الدفن المهيب .. بكى السفير الصيني .. وابكى الحاضرين .. وقام عمدة القرية الهندية بوضع اكاليل الزهور على القبر فاصبحت رائحته جميلة وفواحه .. وقاموا وهم على القبر بفتح الوصيه .. فاذا الدجاجة تقول في وصيتها .. اعلم ايها القارىء لوصيتي انني سأبوح بسر اخفيته طويلا .. فانا اصولي صينية وليست هنديه .. فقد كنت بيضة احضرتني امي من الصين قبل سنوات طويلة ثم باعتني في هذه القرية الهنديه .. ولذا .. ووفاء لاهلي في الصين كنت اضع البيض عندهم .. ولذا فاني اوصي بدفن رفاتي في الصين وليس في الهند .. مع عدم نسياني فضل الهند على لحمي وعظمي .. فمنهم اكلت .. وعلى ضفاف بحيرتهم شربت الماء القراح .. ولكني ايها الساده .. اربأ بنفسي ان ادفن في غير وطني .. فبالله عليكم .. ادفنوني في الصين .. وانتهت الحدوته .