التلميذ القاتل
خالد
البيطار
سألته: أ صحيح ما سمعت أن الشاب الذي
كان يجلس بجانب الشيخ ويتتلمذ عليه والذي كان يقبع بجانبه، ويأخذ من دروسه ويتعلم
منه؛ أ صحيح أنه قتله؟؟!!!.
قال: نعم لكن بطريقة غير مباشرة، أما
سمعت بالحكمة القائلة " اتق شر من أحسنت إليه" إنها وإن كانت ليست هي القاعدة في
الإحسان وليست هي الأصل في المعاملة لكنها انطبقت عليه بحذافيرها.
هي حادثة شاذة، فكم من تلميذ يفدي شيخه بروحه، وكم من طالب علم يُجل شيخه إلى حد
العبودية.
هذا التلميذ العاقّ كان يجلس بجانب
الشيخ، ويستمع إلى دروسه، ويُصغي إلى ما يقول، ويحفظ عنه كلماته ومواعظه.... وكان
الشيخ يظن به الخير والصلاح والتقوى لما يرى من دوامه على الدروس وتعلقه به وحسن
خطابه له وتفانيه في خدمته.
جاءه مرة وهو حزين، يَظهر أثر الهم على
وجهه، فبادره الشيخ: ما لي أراك حزينا مهموما ؟!، فقال له: أبحث عن بيت فلا أجد،
إن أهلي يريدون ترميم البيت وأنا أسكن في قسم منه، وأريد بيتا لمدة شهر أو شهرين
على أبعد تقدير, ولي أيام أبحث عما يناسبني فلا أجد، فقال الشيخ عندي بيت لابني،
وهو مسافر وسيعود بعد شهرين ليتزوج ويستقر في البلد بعد أن طال غيابه، ويمكنك أن
تسكن فيه خلال هذه المدة ثم تعود إلى بيت أهلك.
أثنى التلميذ على الشيخ، ودعا له،
وقبّل يديه ورأسه، وقال له: جزاك الله خيرا، وقد لا أمكث فيه إلا شهرا وقد أَضطر
إلى نصف شهر آخر........
وانتقل إلى البيت ونقل إليه الأثاث
واستقر فيه، وداوم على دروس الشيخ وتقرّب منه أكثر، وتحبب إليه لغاية في نفسه،
والشيخ لا يظن به إلا الخير وحسن الوفاء.
وفي نهاية أحد الدروس وبينما الشيخ
يجيب على أسئلة الحاضرين أخرج التلميذ ورقة وقد كَتب فيها بضعة أسطر، وطلب من الشيخ
التوقيع عليها للذكرى والبركة من يد الشيخ، فمهرها الشيخ بتوقيعه ولم ينظر إلى ما
فيها، ولم يقرأ ما كُتب ثقة بتلميذه، ولم يدر ما هو مخبأ له فيها، وماذا سيكتب فيها
في الفراغ الذي كان بين السطور والتوقيع.
انتهى الشهر الأول، فذكّر الشيخ تلميذه
بأن ابنه سيحضر، وطلب منه أن يساعد أهله في الترميم لإخلاء البيت في آخر الشهر
..... .
ومضى الشهر الثاني، فاستمهل التلميذ
الشيخ وطلب منه أن يصبر عليه شهرا آخر، فاستجاب الشيخ شفقة وحياء.
ومضت أشهر وغاب التلميذ عن الدروس وعن
المسجد، وأرسل له الشيخ كلاما مرغِّبا ومؤثرا ليخرج من البيت، لكن التلميذ جاء
إلى الشيخ ومعه الورقة وهو يقول: تريد أن تخرجني من البيت وأنا استأجرته منك بمبلغ
(كذا) وهذا توقيعك، فتعجب الشيخ، وذكّره بالأمر عندما جاءه حزينا مهموما وهو يبحث
عن بيت ليسكن فيه شهرا أو شهرين إلى أن يتم إصلاح بيت أهله، فأنكر ما قاله الشيخ
وقال: هذه الورقة بيني وبينك، والقضاء يفصل بيننا، ولن أخرج من البيت.
فقال له الشيخ: هذه الورقة كان فيها
بضعة أسطر ولم يكن مكتوبا فيها هذا الكلام ولا هذا الموضوع، فقال له: أنا لا
أكذب،وهذا توقيعك وإقرارك، قال له الشيخ: أنا لم آخذ أجرة منك،ولم أتفق معك على
هذا، قال سأرسل لك الأجرة بالبريد فاصنع ما شئت، وخرج رافعا رأسه متكبرا.
ووقع الشيخ في حيرة من أمره؛ أ هذا هو
التلميذ الذي أشفقت عليه وأسكنته في بيت ابني؟!، أ هذا هو التلميذ الذي كان يجلس في
الدرس مؤدبا متواضعا مطيعا؟!، أهذا الذي كنت أظن به التقوى والصلاح؟!.
ومرت الأشهر واكتملت السنة والتلميذ
يزداد إصراراً وإساءة وتطاولا........
فقلت لصاحبي: وماذا بعد، وهل تُوفي
الشيخ قهرا؟؟!!!، فقال: لا تستعجل واستمع إلى آخر ما سول الشيطان لهذا التلميذ
المخادع الناكر للجميل و الإحسان.
أوعز التلميذ إلى أحد أصحابه أن ينادي
في المسجد في وسط البلد أن الشيخ (فلان) قد توفي وأنه سيُصلى عليه في مسجد المقبرة،
وسيُدفن بعد العصر....
ذهب بعضهم إلى المقبرة ليشارك في
الصلاة والدفن...
وذهب أحد الطلاب المحبين للشيخ متأخرا
إلى المقبرة فوجد عددا من الناس عائدين، فسألهم أين قبر الشيخ؟ فقالوا لم نجد له
أثرا، ونظن أنه قد دُفِنَ قبل حضورنا، ولم نستطع الدلالة على القبر، وإنا لله وإنا
إليه راجعون....
وذهب بعضهم إلى بيت الشيخ مساء
للتعزية، وطرقوا الباب، وإذا بالشيخ يفتح لهم الباب، فصُعِقوا من هول المفاجأة،
وذُهل الشيخ من موقفهم، وتعجب من حالهم ومن انعقاد ألسنتهم، ثم أخرجهم من ذهولهم
بقوله: تفضلوا أهلا وسهلا...
دخلوا متثاقلين وبعد أن جلسوا قَصّوا
على الشيخ ما سمعوه في المسجد من نبأ الوفاة، وأنهم ذهبوا إلى المقبرة وأنهم .....
وعرف الشيخ أن التلميذ العاقّ المغتصِب هو الذي نشر هذه الخبر الكاذب كَيْداً للشيخ
وإغاظة له.
مرض الشيخ على إثر ذلك، ولم تمرّ عليه
إلا عدة أيام حتى انتقل إلى رحمة الله، وباء التلميذ بغضب الله إذ كان هو السبب في
مرض الشيخ وقتله، واستمر مغتصبا للبيت بلا حياء يمنعه ولا ضمير يردعه.