النخلة الباسقة
عادل العابر - الأحواز
أوشكنا على الموت من شدة العطش...
هل نسانا الحاج سالم؟! ... وهل نسى أننا مصدر رزقه ورزق عائلته!
وماذا جرى لزامل وقد فارقنا منذ عامين؟
هل حصل له مكروه؟ ... أو إنشغل عنّا بإبنه حارث؟
وأين الأسرة كلها؟ ... ولم نعهدها تبارحنا لحظات!
أين محسن وعماد وهاني ومسلم؟
وأين البنات؟ ... هديّة وعطيّة ولمياء!
وعلا سعفها الذبول والإضطراب، وصار خوصها يزجر العصافير من أعشاشها غيظاً!
والنخلة الباسقة لا تردّ على أسئلتهنّ رغم الرجاء والإلتماس!
وهي ترى كلّ ما يجري على أسرة الحاج سالم من مكروه!
فقد تتساقط دموعها حزناً دون أن تعلم النخلات الأخريات سببه!
لكنهنّ أحسسن أن مكروهاً حلّ في البيت وعرفن أن النخلة الباسقة تكتم سّراً!
وفي صباح أحد الأيام، مانحت عينا النخلة الباسقة كالمطر الذي نزل من مزنة!
ثم علا صوت بكاءها، وتساقطت بعض البلحات من عذوقها!
فسألتها النخلات في عجب عن سبب بكاءها ودموعها التي لا تنقطع!
وحاولت أن تستمر بكتمان السرّ، ولكنها لم تكن قادرة هذه المرة!
فباحت بأسرارها التي إحتفظت بها عامين والدموع تبلل أقناءها العالية:
لقد شنقوا أبا حارث!
وأصبحنا دون فلاح!
فبكت النخلات جميعاً على فقد أبي حارث!
ثم أردفت النخلة الباسقة والدموع تسيل على ليفها وكربها:
وأخوته كلهم سجناء!
وشنقوا قبل فترة ريسان وغيبان!
وسجنوا فهيمة وطفلتها!
وشنقوا زوجها!
وهناك شهداء وسجناء كثيرون!
ثم سكتت بعد أن انقلب خلالها إلى تمر من شدة الحزن وحرقته!
مسحت النخلات دموعها التي سالت على العذوق وبللت البلح أجمعه!
ثم أمطرت النخلة الباسقة بالأسئلة عن مصدر هذه المذابح وسببها.
فأجابت النخلة الباسقة وهي تواظب على ثمرها من الإنفلات والسقوط:
إنه الحقد الفارسي ضد عروبة الأحواز!
ثم أمرت النخلات أن يكففن عن البكاء والحزن قائلة:
أنتنّ عطاش ... والبكاء والحزن سيحشّف البلح والرطب والتمر بالتأكيد!
عندها ماذا سنقول للحاج سالم؟!
هل سنقول له أنّ اللطم والبكاء والعويل حشّف ثمرنا؟!
والعطش نشّف جذورنا؟!
ولم تسقنا ماءاً لأنك إنشغلت عنّا بالمحاكم ومأتم إبنك؟!
وهل تتوائم هذه الحجج الخاوية وكرم النخيل العربيّة؟!
ألم تعلمن أن الحاج سالم بقى وحيداً دون أبناء؟!
فمن واجبنا أن نسانده بثمارنا ... ودون أيّ نقصان!
ثم سألتها النخلات ثانية:
وأين الشعب الأحوازي عنه؟ ... ألم يثر معه ومع أبنائه؟!
وهل تعرّض الشعب كله للشنق والإعتقال؟
تبسّمت النخلة بعد حزن طويل وقالت:
الأعاصير لا تؤذي خلا النخلات الباسقات، كذا أنظمة الإحتلال، فإنّها لا تعتقل ولا تشنق إلا الرجال الذين يثورون بوجه الظلم ولا يرضون العيش بالذلة والهوان.
ثم أتدرين أن الشعب الأحوازي تجاوز الخمسة ملايين نسمة؟ ... فلو قدّم هذا الشعب ربع ما قدّمه الحاج سالم وأولاده، لتحررت الأرض العربيّة ونخيلها.
ولكنه يحلم بالإستقلال دون أن يقدّم أيّة تضحية! ... وهل ينال الآمال من لم يركب الأهوال؟
ثم تنهدت ودارت عينيها نحو مدينة المحمرة وقالت:
أخشى أن يصبح مصيرنا كمصير النخيل في المحمرة حين أبادها الفرس, فلم تبق منها نخلة باسقة خضراء تقف بوجه الزوابع المعتدية على أرضنا العربية! ... ما لم يضحّ الأحوازيون بأموالهم وبأنفسهم.