عروس الثوار

م. زياد صيدم

[email protected]

تهلل وجهه فرحا، شرد ذهنه هناك بعيدا حيث يرقد قرص الشمس، وطالت رقبته حتى لامست سطح السماء... لمعت أسنانه البيضاء التى لم ينخرها السوس وصفار السجائر بعد...أمسك بقبضة يده بعروس الثوار الأبدية ،التى يخفق قلبها عشقا بجحيم من نار !!  برائحتها المميزة فزيت الحديد عطرها، لا يشمه غير من أراد المجد والحرية فينتعش شوقه لجنان الخلد ... لوح عاليا  وهو يمسك بمقبضها الخشبي بقبضته وعنفوان شبابه الثائر فغدا يصادف عيد ميلاده العشرون.

أفاق من نشوته على صوت ذاك الرجل حاد الطباع متجهم الوجه أحيانا ومبتسما في كثير من الأحيان..! كان يلف على رقبته كوفية تعاريجها سمراء رسمت على لوح أبيض كبياض قلب من يعتمر ها بالرغم من قسوته الظاهرة يأمرهم بالتحرك فاليوم هو تدريب بالذخيرة الحية على إصابة شارات دائرية متداخلة يتوسطها بقعة حمراء... وهنا ارتبك ثائر للوهلة  تحسس نظاراته  في جيبه التقطها سريعا أخرجها من حافظتها الجلدية الناعمة فبانت تلمع  وتتوهج عدساتها فلم تمر عليها عدة أسابيع عندما قرر زيارة طبيب العيون الذي أجل زيارته عدة سنوات  وضعها على عينيه وحسب التعليمات الشفوية بدأ ثائر والشباب في رمى طلقات متقطعة على تلك الأهداف وقد اخذوا لأنفسهم ساترا وراء أكياس من الرمل فكانت النتائج المتوقعة للجميع وكان الأول على دفعته بامتياز نال إعجاب الجميع.

كانت الطلقة الأولى تدشن مرحلة جديدة بتحولاتها الجذرية في تكوين شخصيته الأولى ،كانت الفرحة المميزة الأولى ، الرهبة الحقيقية الأولى ، والرضي  الأول النابع من الأعماق  منذ اشتداد عوده ...حرك مزيجا في داخل أعماقه وأحلامه وبواطن مكنوناته التى تفجرت بداياتها لتفرج قليلا عن هم كبير يكتنفه ولا يغادره بحجم الوطن السليب،  وطموح ما يزال متوهجا ولو اختلفت وسائله وأمنياته بحكم السنين !!

حلم كبير... كبر وتشكل مع مرور الزمن وزاد من جماله عزيمة الأجيال المتعاقبة من حوله واكتساب الثقافات المتعددة مع مراحل سنوات حياته الحافلة !، وذكرياته المتباينة والمتفاوتة بفرحها وألمها ،عذبها وعذاباتها، هدوئها وعنفوانها ...

كبر ثائر حتى اعتلى الشيب معظم شعر رأسه وما يزال حلمه الحقيقي لم يتحقق بعد..! تبدل الزمن وتقلبت الأيام وهو على حلمه معتكف عليه كناسك في معبده الصغير الكبير..!! يعد فيه أجيال العودة والنصر وفاءا لمن سقطوا على طريق الشرف والواجب ،فرسالته مستمرة إنها وصية رفاقه اللذين مضوا على طريق الحلم المقدس ، طريق العودة والحرية.

ذات مرة نظر ثائر إلى أشباله بتمعن يرقبهم بتركيز ونظرة متفحصة لكل همسة ولفتة وعلامة على تقاسيم وجوههم  وهم يحتضنون بلهفة عروس الثوار بعد أن انتهى من تنظيفها وتعطيرها ليوم العرس الذي طال ..!! فبينما هو على ذلك تبادر إلى ذهنه شعور وإحساس يعلمه هو جيدا ويعلم كل حيثياته وجوانبه المختلفة وخلجاته الصادقة فيذهب بمخيلته بعيدا، بعيدا في الذاكرة...هناك حيث ما تزال ترقد عين الشمس......

فترتسم على شفتيه ابتسامة أمل و رضي، وفى ذهنه يقفز أكثر من سؤال حائر؟؟.

إلى اللقاء