إمام ورئيس
إمام ورئيس
د. عمار قرموطه
في ليلة 27 من رمضان ..
في ساعات متأخرة بعد منتصف الليل ..
اكتظ المسجد بالناس ..
منهم المعتكف ..
ومنهم من حضر لصلاة القيام قبل ساعات ليفوز
بالصف الأول ..
ومنهم من لم يصلِ إلا هذه الليلة!
ومنهم من اعتاد الصلاة في هذا المسجد ..
ولكنهم لاحظوا تغيرات فيه بتلك الليلة ..
بخور .. تنظيم ..تصوير .. تفتيش!.. شرطة!
والناس يهمهمون ..
حتى صدعت مكبرات الصوت بصوت الإمام وهو يقول:
( استــووا) ..
فجاء رجل مسرعاً للإمام وهو يقول ..
(انتظر.. انتظر لا تقم الصلاة .. الرئيس قادم ومعه الوفد!) فأشار الرجل للمصلين في الصف الأول ..
( أنت وأنت وأنت .. وأنتم! .. ارجعوا للصف الخلفي واتركوا هذا المكان للرئيس والوفد! ) ولم يعر الرجل أي اهتمام لاعتراض الإمام والمصلين ..
حتى دخل الرئيس ومعه الوفد والشرطة!
فما كان من المصلين إلا أن جروا أقدامهم وهم يتمتمون بكلمات ويرفعون أيديهم بالدعاء..!
وقف الرئيس والوفد خلف الإمام ..
فأشار الرجل للإمام
(ابدأ! )
فهزّ الإمام رأسه وعاد ليقول ..
(استــووا .. )
فقاطعـه رجل آخر وقف على يساره وراء كاميرا التصوير ..
(لحظة يا شيخ ..لو دنوت خطوتين ناحية اليمين حتى يظهر الرئيس بالصورة لأنك تحجبه! )
فضحك الرئيس متواضعاً! وقال:
(لا داعي .. لا داعي .. سأبدل أنا مكاني.. )
وبعد أن أخذ الرئيس مكان بارز في الصف الأول ..
وتأكدوا من ظهوره في الكاميرا ..
قال المصور للإمام:
(ابدأ! ) ..
فتنهد الإمام وأخذ مكانه.. رفع يديه وقال:
(الله أكبــر )
وبعد الفاتحة
اهتزّ المسجد بتأمين المصلين ..
ثم بدأ الإمام يتلوا آيات مُباركة من سورة المائدة حتى وصل في الركعة الثانية لقوله تعالى:
(إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ))[المائدة:44] فجأة..
بدأ من خلفـه يسبحون ..
فظنّ الإمام أنه أخطأ فأعاد الآية مرة أُخرى
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
فعاد التسبيح!
فعاد الإمام ..
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) فسمع رجل من خلفه يقول:
(اركع... اركع! )
فركع! ثم سجد وسلّم ..
فأتاه الرجل فهمس بإذنه ..
(يا شيخ! تجاوز هذه الآيات لأن المفتي يقول المسألة فيها خلاف!! )
لم يفهم الإمام قصد الرجل وفتح المصحف ليتأكد من حفظه!
ثم رجع الرجل لمكانه بجانب الرئيس وهمس بإذن الرئيس:
(سعادة الرئيس .. طال عمرك ودام ظلك ..إن لم يكن في الأمر عليك تكليف .. فضع يدك اليُمنى على الشمال وليس العكس مع إن المسألة فيها خلاف! ولكن لزوم التصوير!) فقال الرجل للإمام
(ابدأ! )
فدعا الإمام أن تمر هذه الليلة على خير!
ثم كبّر .. واستمر بتلاوة سورة المائدة المُباركة .. حتى وصل لقوله تعالى:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [المائدة:51 [
فعاد التسبيح من خلفـه!
فلم يهتم الإمام واستمر بالتلاوة ..
(تَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ )[المائدة:52 [
فغصّ الرئيس وبدأ يكح ويكح .. !
فقال الرجل..
(اركع .. اركع .. اركع !)
فركع الإمام بسرعة!
ثم سلّم .. والتفت ليجد الرجل يسقي الرئيس كأساً من الماء .. ويضربه برفق على ظهره وهو يقول:
(في المسألة خلاف طال عمرك .. فيها خلاف! )
فقام الإمام هذه المرة ولم ينتظر إذن الرجل..
فكبّر ..
واستمر بتلاوة الآيات المُباركة ..
حتى وصل قول الله تعالى:
( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72 [
فقال الرجل من خلفـه ..
(أرجــوك اركع يا شيخ! )
فركع الإمام ..
وسلّم ثم التفت وهو غضبان ..
فأتاه الرجل وجلس بجانبه وهو يبتسم ابتسامة بلهاء ثم تنحنح وقال:
(احم احم .. يا شيخ نسيت أن أقول لك .. معنا اليوم وفد من مؤتمر حوار الأديان! .. فلو تجاوزت الآيات التي فيها تكفير لأهل الكتاب .. لأن المسألة فيها خلاف كما لا يخفى عليكم! )
ثم قال متجاوزاً اعتراض الشيخ وهو يمسح عرقه:
(ما رأيكِ يا شيخ لو تغير السورة؟!) فقام الإمام وهو يضرب بكفيه ويسترجع ..
فكبّر
واختار سورة النساء حتى يتجنب أي اعتراضات هذه المرة ..
حتى وصل لقوله تعالى:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... ) [النساء:11 [الآيات
فسمع من يسبح من خلفه..! ولكن هذه المرة… صوت نسائي!!
فعاد الرجل وقال ..
(ركــوع )
فركع الشيخ !!مستعجلاً متعجباً من أين أتى هذا الصوت!!
سلّم .. فأتاه الرجل وهو يشير في الجانب الآخر من الصف ويقول:
(ها ها ها .. لا أعلم كيف نسيت أن أخبرك يا شيخ أن معنا وفد نسائي من اللجنة العالمية لحقوق المرأة .. وهم على المذهب القائل بجواز صلاة المرأة بنفس صفوف الرجال .. وما دام المسألة فيها خلاف فلا يُنكر عليهن!!) فاعترض الإمام وبدأ يشدّ بالحوار مع الرجل ..
فقال له الرجل وهو يحاول تقبيل رأس الشيخ ..
(يا شيخ.. أوتر لننتهي من هذه الليلة! أرجوك! )
فشفق الإمام عليه ..
فعاد لمكانه وكبر .. فبدأ بالشفع ..
حتى وصل لقوله تعالى:
)قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون] (الكافرون:2:1 [
فضجّ الصف الأول بالتسبيح..!
فقام الرجل وقال مهدئاً لهم :
وفي روايـة أُخرى
)قل يا أيها الآخرون .. !(