بالنفس اللوامة
أبو دواة (عبد الرؤوف النجولي) – مصر
أبو دواة
طالب في كلية الطب - جامعة المنصورة - مصر
في دفاتر طفولتي أنني خرجتُ مع أبي للصيد... كنتُ سعيدًا جدًا -أيها القرّاء-... أفتّش في أسلاك الكهرباء عن اليمام (القُمْري) الذي يحرّم الجنوبيون صيده... بحجّة أنه في أمان الله...
في اليوم قبل الصيد اشتريتُ علبة خردق... وحشوتُ بندقيتي... ورحتُ أجرّبها على هدف من الخشب...
وفي يوم الصيد كان عليّ أن أجرّب البندقيّة في... قلبٍ حيٍّ... قلب طائر...
كان الجوّ حارًّا... والسيارة ملتهبة... وكان علينا أن نحصد أكبر حصّة في أقصر وقت...
لم أكن أقصد يمامة بعينها... فلم يكن بيننا وبين اليمام عداوة...
وكلّ الذي في رأسي طعام... وجبة اليمام محمّرًا بالأرز... لم يكن في بالي روح اليمام... ولا قلب اليمام... ولا حبّه... ولا ولده...
أفتّش... وتضلّ عيوني في شمس الظهيرة الوهّاجة... وأخيرًا... وجدتُها!
صوّبتُ السلاح... في الصدر بالضبط... وربما تخطئه فتصيب الرأس!... "ما أحلى هذا!"
-طاخ!
انطلقتْ الرصاصة... فسقطتْ الزغلولة الغضّة من على السلكة... كان الهواء قد تخلّى عن اليمامة... تخلّى عنها جدًّا -أيها القراء-... لم يعد الطيران على جداول أعمالها... وقد هيض جناحها...
وجريتُ -أنا الصغيرَ- منتشيًا صارخًا... وانتزعتُها من بين الحشائش...
كان دمها يسيل... وعيونها مغرّبة...
شهقتْ... وفاض روحها الطاهر...
وجف قلبي... وانكسرتْ نفسي... ولكنّني أكلتُها لاحقًا...
ولا تزال شهقتها في أذني على كرّ السنين... لا تزال تحضرني... فتحضرني وجفة في قلبي... وتكاد دمعة عيني تسبقني... تحضرني لأنني لا زلتُ أحترف قتل الجمالات والبكاء عليها ولات حين بكاء!