نوبات هستيرية وعقول نائمة
نوبات هستيرية وعقول نائمة
رنا سليمان
كان يوماً جميلاً , جلس عصام في حديقة بيته , وأخذ يتأمل الشجيرات وينظر إلى خيوط الشمس الذهبية التي تتخلل أوراق شجرة الليمون الكبيرة , سمع زقزقة العصافير , أغمض عينيه ليذهب مع العصافير إلى دنيا السلام التي طالما حلم هو وأهل وطنه بالعيش فيها , جلس على كرسي خشبي بدأ يتمايل من قدمه , وأخذ يمسح بيده على لحيته التي لم يهتم بها من سنوات , حنّ قلبه للجلوس مع أسرته الصغيرة ,فنادى زوجته التي كانت لاتزال نائمة , ولكنها استيقظت دون تأخير فور سماعها نبرة صوت زوجها , خرجت من الغرفة وألقت التحية على زوجها : صباح الخير يا عصام
التفت إليها : صباح الخير , وقام مسرعاً ليأخذ بيدها ويجلسها على الكرسي الخشبي القديم
قال الزوج : أحببت اليوم أن نشرب قهوة الصباح وحولنا أولادنا ,فقامت الزوجة مسرعة وأخرجت طفلها الصغير لتضعه على كرسي خاص به , وأيقظت طفلها الثاني الذي لم يتجاوز الأربع سنوات , جاء عصام بالقهوة ولكن قبل أن يجلس نظر إلى طفله الصغير الذي لم يتجاوز عمره السبعة أشهر ، شعر بالحنين يدغدغ قلبه فأعطى القهوة لزوجته ، حمل الطفل وضمه إلى صدره وهو يتنشق رائحته الجميلة التي لا يشعر بها سوى الآباء والأمهات في أولادهم , وبدأ يكلمه بكلمات رقيقة , بدا له وكأن الطفل يفهم ما يقول فأكمل الوالد كلامه :
يا ولدي ما نشعر به الآن لا نشعر به دائماً , إنه شعور بعيد عن أهل هذا الوطن ولكني الآن متفاءل ....... أشعر بأن الفرج قريب , أشعر أن العقول ستصحو من نومها قريباً , نحن عرب , وشباب العرب أصحاب نخوة وليسوا راضين بما يحصل في فلسطين ...... غص عصام بآهات ملأت قلبه كما ملأت قلب كل فلسطيني وعربي ,ودعا الله أن تصحو تلك العقول والقلوب النائمة .
قام قبل أن تشعر زوجته بدموعه وأعاد ولده إلى سريره , ثم عاد ليجلس بقرب زوجته وأخذ يشرب القهوة بسرعة لأنه شعر بشوق كبير لرؤية أصدقائه , قام ولبس أجمل ما عنده وتطيب بعطر الياسمين ودع أهل بيته , وبعد خروجه بدقائق سمع دوي انفجار , بدأ الناس يركضون هاربين إلا عصام أخذ يعود إلى الوراء , كان يريد رؤية أولاده , بدأ يركض ولكن انقلبت الدقائق لساعات في نظر عصام , كان يصطدم ببعض الهاربين , اصطدم بجاره الذي كان يحمل ولداه ويدفع الثالث فقال له الجار : اهرب يا عصام ..............
ولكن عصام كان يشعر بالخوف والاضطراب وكان كلما زاد وعلا صوت الانفجارات ازداد هو خوفاً و قلقاً إلى أن بدأ يرى بيته من بين الناس الهاربين ورأى الدخان يعلوه بدأ عصام يصرخ : يا ويلي .............. تركتهم لأعود وأراهم ميتين ..........
وصل عصام ووقف أمام باب البيت الذي ظل صامداً دون جدران , نظر إلى الجدران المهدمة وأمِل أن تكون زوجته وأولاده بخير رغم كل ما رآه , بدأ يمشي فوق الحطام .......... فوق أحجار كانت تملؤها الحياة ولكنها أصبحت الآن ميتة بعد نوبة من نوبات إسرائيل الهستيرية القاتلة التي اعتاد عليها أهل وطنه , بدأ يزيح الأحجار يميناً ويساراً عسى أن يرى أولاده وزوجته , كان ينظر في أنحاء المنزل الذي تحول إلى حطام , يا ترى أين كانت تجلس زوجته , هل كانت ترضع ولده أم كانت في المطبخ تعد الغداء , كان يركض كالمجنون أين كان يلعب ولده الصغير هل كان يلعب بتراب الحديقة أم كان يلعب بالماء , أخرج من بين الأحجار قطعة من الكرسي الذي جلس عليه هو ومن بعده جلست زوجته , نظر إلى سرير ولده الحديدي الصغير فإذا هو مليء بالأحجار المتساقطة ، ولكنه رغم ذلك بقي صامداً , رأى يد ولده تظهر له من بين الأحجار , أخذ يبعد الأحجار آملاً برؤية ولده سليماً , ها قد انتهى من إبعاد آخر ما كان فوقه نظر إليه غص بالبكاء , ثم حمله وقرب فمه من أذنه الصغيرة ليكمل كلامه الذي بدأه قبل أن يخرج ,وأخذ يكلمه ودموعه تسيل على خديه :
يا ابني من غير الدم ما نرجع أحرار
وأجهش بالبكاء وأخذ يصرخ : وامعتصماااه ..... واا صلااااح الدين