الدمية
حسين راتب أبو نبعة
جامعة الملك عبد العزيز
كلية المعلمين بمحافظة جدة
بعد أن شارف على العقد السادس عشعشت في ذهنه أفكار سوداوية و مخاوف من المجهول القادم رغم أنه رزق بأسرة خفيفة الظل ، فهناك ابنتان جميلتان وولد خفيف الظل يحب متابعة الأفلام حتى النخاع و يحلم بأن يصبح مخرجاً عظيماً ذات يوم. شعر الأب انه أصبح عبئاً على هذه الحياة و بدأ الملل يغلف جوانب حياته ، فلم يعد ينخرط في الحياة الاجتماعية و لم يهتم بمشاركة الناس أفراحهم و أتراحهم .ما زاد الطين بلة و فاقم في الحالة أن شقة الخلاف بينه و بين زوجته بدأت بالاتساع خاصة عندما تقلص دخله ، فأصبحا على طرفي نقيض و زادت حدة الخلافات حتى أنها أصبحت لا ترافقه في زياراته العائلية أو الترفيهية على ندرتها ، بل كانت تفضل البقاء في المنزل تداعب قطتها البيضاء. اشتدت حدة النقاش ذات ليلة فعرض عليها الانفصال – و كان عرضه مجرد جس نبض لمدى تمسكها بالرباط الوثيق الذي يشدهما – إلا أنه فوجىء بان اقتراحه وقع عليها برداً و سلاماً و لم يثر فيها انفعالاً ، فما كان منه إلا أن يسحب عرضه متظاهراً بأنه كان مازحاً !
في ساعة متأخرة من الليل دخل خلسة إلى غرفة المعيشة و اخرج مسدساً و صوبه نحو مؤخرة رأسه و انطلق الصوت مدوياً. بعد ثوان هرعت الزوجة للمكان و ما أن رأت زوجها ممدداً و ملطخاً بالدماء حتى شرعت بالبكاء و العويل و تمزيق ثوبها حزناً . هرعت ابنتاه للغرفة و شرعتا بالصراخ و تفجرت مآقيهما دموعاً حارة من هول المصيبة . العائلة تندب حظها العاثر و تظل مشدوهة أمام الحدث الطارئ. و قبل أن تتصل الزوجة بالإسعاف و الطوارئ في المستشفى الحكومي القريب دخل سليم الابن الوحيد الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة إلى مسرح الجريمة و تساءل باستغراب: ماذا جرى ؟
- الحقنا ، انتحر والدك يا سليم .... واحر قلباه...وامصيبتاه..يا ويلاه !قالت الأم بحسرة
تقدم سليم بشىء من اللامبالاة نحو الجثة و همس في أذن والده" يكفي هذا يا أبي...انهض فقد كدت اصدق ما أرى !انتهت المسرحية
- أية مسرحية يا سليم ...صرخت الأم متسائلة وسط الدموع؟
نهض أبو سليم باسماً وقال : الآن أدركت أن الحب أقوى من الموت !، و نهض محتضناً ولده بين يديه و ظل الابن ممسكاً بالمسدس الدمية.
- لكن هناك سؤال ظل يحيرني يا أبي ؟ أنا أعطيتك المسدس الدمية و لكن: من أين جئت بكل هذه الدماء؟سأل سليم ببراءة.
- اضطررت لاستخدام – الكاتش أب- أيها المخرج النبيه !