ودّ الكلاب وغدر البشر
الذين يسمّون أنفسهم أحباب الله
الباحث: محمد عبيد الله
محاضر سابق بكلية اللغات جامعة وليم باترسن
نيويورك
هذه القصة سمعتها من عالم
أمريكي مسلم عربي الأصل والعروق
يدافع عن قومه في الشرق من الغرب
أي والله
يدافع من الغرب عن الشرق
ويا للعجب
بداية القصة وقعت له وهو في الشرق الاوسط و كانت عبارة
دقه له إمّعة حسود جاهل ثم حاقد
إبن قوم دب الفساد في عروقهم
كما يدب الربيع في ورق الشجر
على جمال الشجر وزهره , وبئس
تلك العائلة
التي تنجب الجُهال
الذين يتكاثرون كما يتكاثر ...... الوغش
*
يقول الرجل
لظروف ما نوعت ثقافتي من ديار شتّى
ثم عدت إلى الشرق الاوسط
أحمل علماً نادراً
فقمت بتعديله وتقنينه كي يتلائم مع واقعنا المريرفي الشرق الأوسط
وصنفت منه علما ً
بمقايس عربية
يخدم البلاد و العباد ويسعد الناس
فكنت أوألف و أحاضر و أعمل مديراً في نفس المصلحة
و أخرّجَ المدراء الجدد
لهذه الصنعة
و كنت أختارهم رجالاً
من خيرة الناس أبناء حسب وكرم
يحبون الناس ولا يبخلون في العطاء
همهم خدمة العباد ورضى الله
وكانت لي فراسة تساعدني على حسن الإختيار
فكانت سعادتي لا توصف كلما لمع أحد المدراء الجدد
وأزداد سعادة إذا سمعت انه
نجح في إختيار مديراً جديداً
وكنت أعتبره نصراً للعباد و البلاد
يصب في مصلحة قومي
إلى أن سلخني إمّعة حسود حاقد خازوق بارع
من شدته هبطت في أمريكا
وهناك
بعد مرار قليل وسعي كثير
سكنت في بيت مليح و جار مريح
فحمدت الله تعالى على هذه النعمة
بعد العناء والتعب
غير أن هذا الجار عنده كلب ضخم شكله كان مفزعاً يزعجني
وكنت أخشى على اولادي من كبر حجمه وضخامة رأسه
وصرت أتفكر في نفسي كيف هذا الرجل
يتعايش مع هذا الكلب الغريب
فأخذت أتمحك في هذا الجار
إلى أن تجرأت و طلبت منه أن ينقل الكلب إلى جهة أخرى بعيده عن حديقة بيتي
ومدخل داري
وكوني من أصل عربي فقد كنت أظن أن مقام الكلب بيني وبينه كان
مقصوداً قصداً خصوصاً أني غريب
ومن الماركة المسجلة و المعروفة عالمياً ... عربي.....
ولغتي الانجليزية مكشوفة , فهي ليست لغة أصلية بل لغة مرقعة
أستعملها عند الحاجة
زهداً فيها
فقد حمَلتُ معي مكتبة من الشرق الاوسط يعجزعن رفعها أعظم بعير
ويجر خلفه عدداً من نفس الفصيل
انهمكت للبحث فيها والتأليف
لعل الله يرزقني حسنة
بعد أن سحلت عني البركة
التي كنت اتلفع بها في الشرق الاوسط
فهي بلاد كلها مباركة
وأهلها لا يعلمون
نعود إلى طلب العالم الذي أصبح جاهل
بجرة قلم وطقة حنك
*
فقال الجار الطيب لماذا وما هو السبب
هل هو لسبب ديني
في ملتكم ؟؟؟
فاكتشفت أنه يعلم اني مسلم
فقلت في نفسي وا إسلاماه
حتي مصلحة الكلاب
همّها أمر ديننا
فقلت : لا ولكنه الرعب الذي حل بنا منذ أن سكنا في جوارك
فاعتذر لي عما أصبنا من جزع
وأخذ يذكر لي محاسن الكلب وكم هو كلب..... ودود
فقلت في نفسي خيبك الله
لم يبقى عليك الا أن تعتبره واحداً من أفراد أسرتك
فأيقنت أنه يدافع عن نفسه وعن كلبه
ودخلت إلى منزلي وحدثت زوجتي فقالت سوف نبقى على حذر
إلى أن يفرجها الله تعالى
ثم قالت : ألآ ترى أنه لا ينبح
فقلت : لها لعله أخرس وأدركت أنه جواب أبّلَه
ثم قلت : ربما لأنه كبير في السن
وبعد أيام قليلة
ذهب أولادي إلى المدرسة وزوجتي خرجت إلى السوق
وأنا في عملي
وإذا بالهاتف يرن في طلبي
فسألت من أنت فقال أنا جارك فحييته
فقال لي : إن باب بيتك مفتوح والريح شديدة
وقد اتصلت على هاتف منزلك ولكن لا أحد يجيب
وطرقت الباب والجرس
فلم يخرج احدٌ من المنزل
فهل تأدن لي أن أغلق باب المنزل
هنا أصابني الرعب
و قد ادرك هو ذلك
فقد تغير صوتي
فقال : لي ان بلدتنا آمنه
فقط هو الريح دفع باب المنزل ويبدو انه لم يكن محكم الإغلاق
واليوم كما تعلم الريح شديدة وقد إقتلعت بعض الأشجار من حول البلدة
كما سمعنا الناس يتحدثون
كذلك نشرة أخبار المقاطعة ذكرت ذلك عن بلدتنا
والكلب قد قادني الي باب بيتك
وأنا الآن أمام الباب وأحدثك من التلفون النقال
وقد أخذت رقم عملك من استعلامات البلدية
فكانت أول مرة أشعر فيها انه جار ودود حقاً وشعرت كأنه شيخ من
أكابر قريتنا و أنه ألطف مما كنت أتصور
ولكن رغم كل ما قدمه لي من تطمينات وتأكيدات فلم أطمئن
وبسرعة البرق إنطلقت بسيارتي إلى منزلي
ومن السيارة هاتفت زوجتي فوجت أنها ما زالت في السوق
وسألتها عن الأولاد فقالت : جميعاً في المدرسة
وشرحت لها خبر الباب
فاعتذرت وقالت : يبدو أني لم أحكم إغلاقه
فخففت من سرعة السيارة
وحمدت الله نعمة السلامة
وأخذت أردد في نفسي
الجملة التي ذكرها لي
وأ خذت أسأل نفسي لماذا الكلب قاده إلى باب منزلي وهل جاري مريض ؟
بالفعل أنا لم أراه منذ أسابيع
فالجو شدشد البرودة ودرجة الحرارة تحت الصفر بكثير , ولم نعد نخرج إلى حديقة
المنزل كالمعتاد حيث كنت أراه حول بيته
يمرّن أقدامه على السير ويمتع نفسه بشعاع الشمس ويداعب كلبه
فهو رجل في سن التقاعد المريح والشيخوخة الجميله
و هو قليل الكلام إلآ ما ندر
وقد تفرق أولاده في مواقع شتّى من البلاد كل حسب عمله
وزوجته ممن تهوى الغزل والنسيج
فلا تكاد تراها
**
وصلت البيت وقد زال عني بعض ما همّني وأقلقني
وأفسد نهاري
فجلست على مكتبي
ولكن عاد يرن في أذني
قوله قادني الكلب إلى باب منزلك
ثم أخذت أتذكر أطرافاً من حديث الرسول عليه السلام ...أحسن إلى جارك
وقد سبقني هو إلى ذلك فاحسن اليَّ
فأدرت رقم الهاتف على منزله
وشكرته على معروفه
وسألته ء أنت مريض
الى درجة أن الكلب قادك إلى باب منزلي
فقال لا أنا بخير
ولكن فتحت باب منزلي للكلب لكي يتمشى خارج المنزل كعادته
وهذا برنامج يومي له
فعندما خرج عاد بسرعة
فعلمت أن هناك شئ أعاده فقمت وتبعته لكي أعرف السبب فقادني
إلى باب منزلك
وتذكرت الخازوق الذي نزل على رأسي وعلى قوت عيالي من الدابة أبو جهل
فلمّلمّت نفسي وشعثي وطرشي وخيبتي وكل ما تبعثر مني
و ذهبت إليه
مشدوه اللب مخلوع الفؤاد مكسور الخاطر مقلوب الحال
وكأنِ أبو جهل السرسري دابة الجهل موسوعة الخراب خلعني ذاك الخازوق في التّو والحال
طرقت الباب
فسمح لي بالدخول
فدخلت
وإذا بالكلب جالس بجوار العجوزعلى أجمل فراش
فقلت في نفسي يا سبحان الله
هذا كلب برتبة باشا
فاجتمعنا
الثلاث إجتماعاً مغلقاً
العجوز جاري , والكلب , و العربي
المشرد
اي والله
إجتماع العلماء
ولكن كل حسب تخصصه
فالرجل هو الذي درب الكلب
والكلب أحسن التطبيق
والعالم العربي
إحتوى الخازوق
بحلمه وحكمته وما تبقى له من عقل
طبعاً هذا هو الخازوق الثاني
غير الخازوق الاول
فقد جلس العالم هنا تلميذاً أمام الكلب
وصاحبه
وبدأت الاسئلة
وهي عبارة عن أسئلة غير مرتبة و
السؤال الأول دائماً ينمّ عن الجهل و الهَبل
من وقع الصدمة
ثم سرعان ما ينقشع الهبل
وتنطلق الأسئلة الذكية
فكان السؤال الأول كيف عَلم الكلب أن الباب مخالف للمألوف
مع أنه ليس باب منزلك
قال العجوز هذا يأتي مع التعليم و التدريب
وقد تدرب الكلب
على حراسة بيتك
قبل أن تسكن فيه فالرجل الذي باعك البيت إشتراه من
أخي الذي رحل الى كندا
وهذا الكلب في الاصل هو كلبه
فنحن أصولنا كنديه وقد رحلنا إلى هنا طلباً للعيش
وقد سكن هنا قبلك الذي باعك البيت أربعة أعوام
وأنت لك هنا أقل من عام
ولم تكن هناك مناسبة للحديث في هذا الموضوع
السؤال الثاني
لماذا الكلب لا ينبح ؟
ولا نسمع له صوت على ظخامته وكبر هامته
قال لأن أخي دربه على الود والحنية
أي والله الود والحنية
فقلت له الود والحنية
قال نعم الود والحنية
فقلت له هل يحسن الكلب الود والحنية
قال نعم
فقلت له أنا من بلاد فيها الكثير من الكلاب ولكن أوصفها تختلف عن أوصاف
كلب أخيك الذي أصبح كلبك
فهي كلاب حقيقية
العواء عندها مستمر دائم لا ينقطع
والاقتراب منها موت محقق فإن نجوت من الموت
فهي الكسور والجروح
المهلكة
قال هو التعليم والتدريب
هو دربه على الود والحنية والصداقة
والمرح
قلت له وينفع ذلك
قال ألآ تراه مجتمعاً معنا جالساً بوقار
على فراش جميل
قلت له بلى
قال لي
وهذا لا يكون إلا بلإحسان إليه
مع التمرين والتدريب
وهي الفطرة التي جُبل عليها
أما اذا أردته شرسا
فتدربه على الشراسة
فالامر يعود اليك
فتذكرت بلاهة قومي و امراة في قريتنا
كان الناس يتحدثون عنها
فكانت تغسل وجوه أولادها من بولهم وهم أطفال وعندما كان الناس
يسألونها عن سبب ذلك
كانت تقول قبحها الله
كي
يقهروا الناس ويتسلّطون عليهم
ولا يخجلون
ولا يخجلون