السحر الأسود

السحر الأسود

حكاية للأطفال

نزار ب. الزين *

[email protected]

www.FreeArabi.com

ذهبت ربيعة – و هذا اسمها - إلى الساحرة الشريرة المقيمة في مغارة على سفح الجبل ، فشكت لها همها و طلبت مساعدتها ، قالت لها من ضمن ما قالت :

- توفي زوجي و ترك مالا كثيرا لابنه يوسف ، كان قد زوجه قبل وفاته من فتاة غريبة ، رافضا أن يزوجه من شقيقتي ، مما سبب لي و لها ألما كبيرا ، و بذلك آلت الثروة كلها إلى يوسف ، و لم يترك لي إلا النزر اليسير .

و بعد أن كانت السيادة لي في منزلي أصبحت هذه الفتاة الحقيرة لبلبة تشاركني ، بل أراها كل يوم تزدادا نفوذا ، لأن ابن زوجي يوسف يحبها إلى درجة العشق ، و لا يرفض لها طلبا ، و اللعينة تستثمر ذلك فتأمر و تنهي كيفما يحلو لها .

إنني يا سيدتي الساحرة أكاد آكل بعضي من شدة الحنق و الغيظ ، و خاصة عندما أرى هذا الغِر يوسف يتصرف بالمال كما يحلو له ، يبني البيوت و المحلات التجارية ، و يؤجرها ، و يعقد الصفقات الرابحة ، حتى أصبحت له مكانته في السوق ..

هذا المال كله كان تحت تصرفي ، و لكن في غفلة مني ، و بضربة غدر من أبي يوسف – لا رحمه الله - سجل كل شيء باسم يوسف عندما أحس بدنو أجله ، و لم يترك لي سوى الفتات ..

أريد منك وصفة تمحي لي هذا اليوسف من الوجود ...

أريد منك أن تحولي هذه الفتاة الكريهة لبلبة إلى جارية حقيرة في مطبخي ، كي أسومها سياط العذاب...

أريد لهذا المال أن يعود إليَّ و يصبح تحت تصرفي ...

إنني مظلومة يا سيدتي الساحرة ، و اريد حقي .. مهما كلفني ذلك من مال...

تبتسم لها الساحرة ابتسامة ماكرة ، و تجيبها : " سأزيل المرارة من صدرك ، و أعيد إليك ما سُلب منك ، و ستصبحين السيدة المطلقة في بيتك ، كل ما أطلبه منك ، ديك ذو رقبة حمراء و ذيل قطة سوداء و قطعة من ملابس غريمك يوسف الداخلية مشبعة من عرقه ، و مثلها من ملابس عروسه لبلبه ، إضافة إلى ثلاث قطع من البخور واحدة من نوع الشندل و واحدة من نوع العنبر و الثالثة من نوع المِسك ؛ و عندما تكونين جاهزة تفضلي لتري ما يسرك .

*****

بعد مشقة تمكنت ربيعة من الحصول على ديك ذي رقبة حمراء .

و بعد عدة محاولات فاشلة تمكنت من القبض على قطة سوداء ، و بكل قسوة اجتزت ذيلها .

ثم ذهبت إلى سوق المِسكية ، فاشترت ما طلبته الساحرة من أنواع البخور، فكلفها ذلك مبلغا كبيرا كانت قد سرقته من جيب يوسف ، و لم تنسَ قطعتي الملابس من ملابس كل من يوسف و لبلبه .

ثم ...

هرعت نحو الساحرة الشمطاء...

*****

أحرقت الساحرة قطعة بخور الشندل

ثم ..

ألقت بالديك ذي الرقبة الحمراء حيا في قدر مليء بماء يغلي ، و وضعت معه قطعتي الملابس الداخلية ليوسف و لبلبة ، و قطعة البخور من نوع المسك ..

ثم ..

أضافت بعد قليل قطعة البخور من نوع الشندل ..

ثم ...

أخذت تدور حول القدر و تتمتم و تهمهم ...فيعلو صوتها حينا حتى يبلغ عنان السماء ، و ينخفض حينا حتى يماثل صوت دبيب النمل ،

ثم ..

اقتربت من ربيعة تلقنها :

قطعة العنبر هذه مزجتها بدم الديك ذي الرقبة الحمراء و بماء الأثر من ثياب غريميك ، بعد أن تتركيها بالشمس ثلاثة ايام ، تحرقينها في غرفة نوم العروسين ، حتى إذا توجها إلى غرفتهما يصيبهما الخدر ، فتتسللين إليهما فتغرسين هذا الدبوس الصغير في راس يوسف و سيتحول في الحال إلى المسخ الذي تريدين ، و تغرسين الدبوس الآخر في رأس لبلبة فتصبح جاريتك و طوع بنانك ، و لن يشعرا بأي ألم ،

ثم ..

يصبح المال كله في يدك تتصرفين به كيفما تشائين ..

*****

و نفذت ربيعة ما أمرتها به الساحرة ..

و عندما دخل يوسف و عروسه غرفتهما طلبا لقيلولة ، و قبيل ولوجهما إلى سريرهما ، شعرا برائحة وخازة و لكنها طيِّبة ، قالت لبلبة : " لعله سحر يا يوسف .. " و قبل أن تكمل جملتها وقعت أرضا غائبة عن الوعي ، هبط يوسف على ركبتيه محاولا إسعافها ، فغاب بدوره عن الوعي ؛ ثم تسللت ربيعة إلى الغرفة فشاهدتهما متعانقين فزاد ذلك من حقدها عليهما .

تقدمت من يوسف و بكل قسوة غرست في راسه الدبوس الصغير الأول ، و فكرت إلى ماذا تريد مسخه ، وقبل أن تقرر سمعت هديل حمامة ، فقالت : " فلتمسخ يا يوسف إبن سهام إلى ذكر حمام " و إذا به يتحول رويدا رويدا إلى ذكر حمام ، ثم يصفق بجناحيه و يطير ، فتفتح النافذه و تبدأ بملاحقته إلى أن تفلح بطرده إلى الخلاء ..

تعود ربيعة الآن إلى لبلبة ، و بكل ما تملكه من حقد و كراهية تغرس الدبوس الآخر في راسها و هي تقول : " كوني يا لبلة يا ابنة حسنية جارية في مطبخي ، تقيمين على طاعتي و تأتمرين بإمرتي ."

و عندما صحت لبلبة من إغماءتها القصيرة ، و شاهدت ربيعة إلى جانبها ، هبت واقفة و أحنت رأسها في مذلة ، و هي تقول لها بصوت خافت مرتعش : " اعذريني يا سيدتي فقد سرقتني غفوة ؛ أنا طوع بنانك سيدتي ، بماذا تأمرينني ؟ "

فضربتها على قفاها و هي تأمرها : " إذهبي إلى مطبخك حالا ، و إياك أن تقتربي من هذه الغرفة مرة ثانية "

*****

بعد عدة أيام ، و بينما كانت لبلبة جالسة في ساحة الدار خارج مطبخها طلبا للهواء الطلق و شمس الشتاء الدافئة ، منهمكة بتقشير الثوم و البصل ، لاحظت حمامة بيضاء قد حطت لتوها على غصن شجرة الليمون التي تتوسط الساحة..

سمعت هديلها فأطربها ، ثم تحول الهديل إلى كلمات منطوقة ، تنبهت فاصغت و إذا بالحمامة تهزج :

- يا لبلبه .. يالبلبي ، ويش حالك في دار أبي ؟

ما أن سمعت أهزوجته و تعرفت على صوته حتى تذكرت أنه صوت حبيبها يوسف ، فأجابته :

- فوقي حصير تحتي حصير ، نومة أسير يا يوسفا ،

ثم أجهشت بالبكاء ..

و تكررت هذه المناجاة ، و أصبحت منذ ذلك الحين تترقب قدومه فيتشاكيان :

" يا لبلبه .. يا لبلبي .. ويش حالك في دار ابي " فتجيبه : " فوقي حصير .. تحتي حصير .. نومة أسير .. يا يوسفا ."

و ذات يوم عندما تأكد ذكر الحمام أن ربيعة التي أصبحت سيدة الدار و تبذر ماله و تضطهد زوجته ، عندما تأكد أنها خارج الدار مع أختها ، تجرأ فهبط إلى الساحة و تقدم بسرعة نحو لبلبة و ارتمى بحضنها .

و بينما كانت تضمه إلى صدرها و تتلمس ريشه بيدها ، إذا بها تكتشف وجود جسم صلب مغروس في راسه ، فسحبته ، و إذا بذكر الحمام ينتفض و يتحول رويدا رويدا إلى حبيبها يوسف بشحمه و لحمه ، فترتمي على صدره في عناق طويل .

و بينما كان يعبث بشعرها الفاحم الطويل كما كانت عادته ، إذا به يعثر على جسم صلب مغروس في راسها فينتزعه ؛ و إذا بها تستعيد ثقتها بنفسها فتترك البطاطا و البصل و الثوم على حالها ،

ثم ..

تلقي بثياب الخدمة و تعود إلى غرفتها لترتدي أجمل ثيابها .

ثم ...

يتفقان معا على أمر ..

*****

عندما عادت ربيعة إلى الدار مع شقيقتها فوزية محملتان بالمشتروات كدأبهما كل يوم ، تدخل كل منهما إلى غرفتها لتبديل ثيابهما ، تفاجأ ربيعة بيوسف يقف قبالتها ، تجمدها الدهشة ، يتصنع أنه يريد معانقتها بعد طول غياب ، فيمسكها بقوة ، بينما تتقدم لبلبة من ورائها فتغرس في راسها الدبوس الأول و هي تقول : " يا ربيعة يا بنت بديعة كوني جارية في مطبخي ، تقيمين على طاعتي ، و تأتمرين بإمرتي ."

و عندما خرجت أختها فوزية من غرفتها فوجئت بيوسف في وجهها فجمدتها الدهشة ، تظاهر يوسف أنه يريد معانقتها بعد طول غياب ، يمسكها بقوة ، بينما تتقدم لبلبة من ورائها فتغرس في راسها الدبوس الثاني و هي تقول : " يا فوزية يا أخت ربيعة ، كوني وصيفتي و خادمتي ، تقيمين على طاعتي و تأتمرين بإمرتي ."

ثم ...

عاش يوسف و لبلبة برغد و ثبات ، و خلفا الصبيان و البنات ، و أصبح يوسف من كبار التجار و أكثرهم ثراء ..

و هكذا ارتد كيد ربيعة إلى نحرها ..

( و توته توته خلصت الحدوته ))

              

*مغترب يعيش في الولايات المتحدة من أصل سوري

عضو في إتحاد كتاب الانترنيت العرب