سيرة الصمصامي

سيرة الرئيس

فيونكا فرنسية حمراء

رياض الأسدي

[email protected]

أول وآخر زيارة للغرب   

عندما انعطفت السيارة السوداء الرئاسية اللاصفة تجاه قصر الاليزيه البراق، لم يكن رئيس الدولة العربي الجالس فيها يفكر بأنه سيزور البلد الأوربي الغربي الوحيد في حياته، وهو يضع على رأسه قبعة سوداء ليذكّر مستقبليه برغبته في التفرنج. هكذا قيل له أن يفعل من أسرته : معطف أسود طويل وقبعة سوداء وبرفان من النوع الغالي الثمن. فلم يكن السيد الرئيس ليحظ بمستشارين كفء من غير أسرته طبعا. بل هو لا يثق بأحد أيا كان من غير أسرته؛ وحتى هؤلاء لم يعودوا محطّ ثقته في السنين الأخيرة أيضا. مشكلة. وهو على العموم يعد الاستشارة نقصا في شخصه : هذا المركّب الذي طمأنه في نفسه وهو يحمل قضيبا طويلا لقتل كلاب قريته وهو صغير.

لكن الرغبة بالتفرنج أو التظاهر به في الأقل بقيت عالقة في ذهنه مذ قرر المجيء إلى ديار نابليون. أحب فرنسا لأسباب أميركية بحتة بسبب حبه لأفلام العصابات القديمة التي كان المسدس يقتل العشرات دون أن يحشى من جديد. لذلك هو لا يعرف إلا أسماء معينة لمفكرين فرنسيين قيل له إنهم مهمون.. هو لم يقرأ لأحد من الفرنسيين مفكرين وغير مفكرين. لاجدوى من اتعاب اللعينين بلا طائل؛ إنه يحب أفلام الغرب الأميركي : رنكو جيانكو كاري كوبر عودة رنكو المسدس المأجور وهكذا. أما هوغو وفولتير وميرابو وديكارت فيحسبهم أميركان!(يابا أمريكا أم الدنيا فرنسا شنو مساحة فرنسا بمقدار مساحة العراق لكن العراق العظيم يريد أن يكون بمواجهة قوى الشر العالمية أميركا!) هووووو!

وهكذا بقي الرئيس يظهر على شاشة تلفاز دولته الوحيدة وهو يضع القبعات الأميركية والفيونكات السود الأثرية المصنوعة في القرن التاسع عشر. وربما ينتعل حضرته أحذية لرعاة البقر وقتلة الغرب ألأميركي التي تظهر عجلة صغيرة على كعوبها الخلفية : هكذا كنا نشاهد أفلام الغرب الأميركي في نهاية عقد الستينات من القرن الماضي وها نحن نشاهد رئيسنا المتفرنج على الطريقة الأميركية أيضا(شكو عند فرنسا غير الأزياء مال النسوان والعطور هاي مو شغلتنا..منو ديكارت؟ هاآآآ صاحب مقولة شنو؟ أنا أفكر إذن أنا موجود وشنو يعني فد اكتشاف؟ أنا أقتل أذن انا موجود أنا أركض أذن أنا موجود هذا ديكارت مالتكم كلشي ميفتهم.. شلون؟ كرسي ديكارت بالسوربون أعطي على مود أنا أفكر..؟ هههههه مو كلنا هساع نفكر شنو يعني؟ بودلير رامبو دي مو سيه؟ شمدريني يابا قابل آني اعرف كل هؤلاء السياسيين بفرنسا؟ ديكارت مات من قرنين.. وشمدريني يابا ههههه؟ يكفي أعرف صاحبنا جاك شيراك (جاك بريجه بيده هههه) بس هذا  ميتران كلب! بس احنه نريد لفرنسا تكون ويانه) ولم نكن نعرف بأن تلك كانت جزءا من إعلانه عن سياسة جديدة في المنطقة : هكذا قالت له أسرته : أفعل كذا يصدقون بك.. ويعدونك واحدا منهم. إنها الأسرة دائما. لكنه غالبا ما كان يعدّ هذه الأسرة مجرد رعاة غنم قام هو بصنعهم ليس إلا..

باريس كانت بالنسبة للسيد الرئيس حلما طفوليا غامضا. وكيف لا تكون كذلك وهو الذي جاء إلى السلطة بلا أية خبرة أو مؤهلات معقولة غير الدسائس والمسدسات والمؤامرات؟ وبدت على محيا الزائر الرسمي الكبير دهشة عميقة وهو الذي لم يدهش إلا قليلا في حياته. ثمّ طغت على قسمات وجهه القاسية علامات سعادة مفاجئة لم تلمسه منذ زمن طويل؛ هو لم يجرب السعادة في حياته على الرغم من أن ضحكاته على التلفاز كانت طويلة وكبيرة – حللها احد علماء الضحكات السايكولوجست فوجدها مصطنعة للتسويق المحلي الساذج- وهو الذي لم يجرب إلا قليلا من الفرح في حياته مذ كان مسدسا مأجورا ومسؤول منظمة (حنين) للاغتيالات السياسية.

ففكر بما سيكون بعد هذا اللقاء التاريخي المرتقب؟ هل يستطيع خداع سيد الاليزيه بعد أن أرسل له ما يكفي من رزم الدولارات إبان حملته ليكون عمدة باريس وفي حملته لنيل كرسي الرئاسة؟ هووووو! الرئيس العربي مهم في صناعة سياسة فرنسا.. أين أنت يا نابليون لترى ما نحن فاعلون في بلادكم؟ بل أين أنت ياغورو؟ بل أين أنت يا جنرال كليبر؟ ها نحن نصنع (بواتيه)(*) جديدة.  

حظي سيادته أخيرا بصداقة الفرنسيين الكبار من أحفاد بونابرت الذي عشقه بقوة، دون أن يقرأ كتابا واحدا عنه! سوى تلك الوقفة الشامخة واليد المضمومة إلى البطن بتلك الصورة الشائعة عنه في كتاب التاريخ المدرسي. ومادام هو الآن أمام قصر الاليزيه، ويقدم له الحرس النابليوني الخامس الاحترام الواجب للضيوف الكبار، فإن كلّ شيء يهون بنظره: هاأنذا في عقر دارك يا بونابرت! وها قد أصبحنا أندادا. حييييييل أخيرا. من كان يتوقع ذلك. أولئك (الرؤساء) من ذوي القفازات الحرير السود، الممسوسون بالمؤامرة، كانوا يظنون أن العلاقات الدولية كالعلاقات العشائرية، تماما، يمكن كسبها من خلال كسب الأشخاص (المتشيخين) في الحمائل والبطون والأفخاذ والبيوت، أو بواسطة ذوي النفوذ، أو التجار، أو السماسرة، وكذلك الوسطاء السريعين أيضا ممن يظهرون على السطح كطناطل ثم يختفون فجأة. لا مكان للثقافة ولا للتاريخ ولا للإستراتيجية؛ هذه الأخيرة بنظرهم هي صنيعة الأشخاص فقط؛ لأنّ كلّ شيء يؤول إلى الفرد أولا وأخيرا : الفرد ثم الفرد ثم الفرد هكذا علمهم كبيرهم (سحر) العلاقات    الدولية الصديق الدائم نابليون بونابرت. 

وبلع السادة الزائرون للاليزيه الطعم الواحد تلو الآخر: هاهو (الرئيس) قادما من جوف بابل. وهكذا ينبغي أن تبقى فرنسا – التي أسهمت بصناعة أول مفاعل إسرائيلي- إلى جانب القضايا العربية، أخيرا. يا لها من غنيمة، وهي (فرانسا بإضافة ألف زائدة أيضا) مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. أخيرا. جيد. عاشت فرانسا حرة عربية! فرانسا الديغولية وفرانسا الميترانية الاشتراكية وفرانسا اليمينية الشيراكية وحتى فرانسا الساركوزية حاليا. حسنا. ميرسي! للفرنسيين الذين صحت ضمائرهم بعد حرب 1967 وحتى يومنا هذا، وها هو السيد الرئيس يعقد حلفا عشائريا شفويا مع عمدة باريس السابق شخصيا- يا له من نصر دبلوماسي!- وسيدعمه حتى يكون رئيس جمهورية قادم وبأموال النفط طبعا. يا للنفط صانع المعجزات السياسية : هذه هي النصائح البترولية المفيدة للجميع ممن تحدروا من ركوب الجمال أخيرا (زين سيادة الرئيس هل تعرف نابليون بونابرت عن كثب؟ يول شنو يعني عن كثب هذي كلمة فرنسية كثب؟ لا عربية يعني عن قرب.دقول عن قرب تريد تمتحني؟ آسف. يابا اكو واحد ما يعرف نابليون؟ أنا من أشد المعجبين به من زمان الدراسة (المتوسطة) يابا شكد كانت الدراسة صعبة وكم كان المدرسون المعلمون (صعبين) لعنة الله على كل المعلمين الذين يمسكون عصا والله لأشعل ميتهم. بس بصراحة انا لم أقرأ شيئا عن نابليون هذا، شخبصتونا؟ كلّ اللي اعرفه عنه من التلفزيون ومرة شفت فيلم عنه فيلم حلو.. هذا اللي يخلي أيده على بطنه مو؟ يابا شفته بكتاب التاريخ بس ترى هاي أيده على بطنه يقولون مو للعظمة كانت بطنه توجعه.. ههههه، تعرف هاي المعلومة؟)

أخيرا وليس آخرا، ليعلم بونابرت، هذا المتعجرف الماسوني الذي يفكر بفتح أبواب السماء بعد أن فتّحت له أبواب الأرض: إننا نحن العرب، أشباه البدو المستقرين، غير المهذبين، الأجلاف، ممن يأكلون الجرابيع ولا يعرفون قواعد اللغة الأم، والذين لم نتلق ما يكفي من تعليم، ولم نسمع أبدا بعصر التنوير الفرنسي؛ هانحن أخيرا نسهم في صنع سياسة فرنسا الخارجية! ومن خلال سائلنا السيميائي هذا، المدفون تحت الأرض، الذي لم يتوقعه بونابرت. فماذا نفعل بسحر هذا السائل الأسود إن لم نرضي به " الحلفاء" الأباعد من الفرنجة، ونعقد الأحلاف القبلية لمحاربة الصهاينة مغتصبي القدس؟! اجل حدث كلّ ما يمكن أن يحدث؛ لكن جاك شيراك على أية حال لم يقدم ما يكفي من دعم طلب منه إذ ليس ثمة معاهدة مكتوبة بل حلف شرفي بالكلمات الفروسية الفرنساوية والعربائية؛ بل كان اتفاقا عشائريا شرقيا بحتا لو كانوا يفقهون في ذلك حديثا لكنهم قوم لا يعلمون فدعهم في طغيانهم يعمهون.

ولم يكن ثمة احد من أولئك الذين زاروا الاليزيه قد كلف نفسه، ولو مرة بزيارة السيد التاريخ القريب، ليعرف سرّ السادة الفرنسيين الفرنجة. أفي كلّ مرة تدعوننا لزيارة التاريخ تحدث هذه الضجة!؟ ألا لعنة الله على الورق المكتوب وغير المكتوب أيضا. لولا هذه العنعنات الباهظة الثمن التي تجول برؤوسكم ليل نهار لأصبحنا جميعا بخير.. تعالوا إلى التاريخ, تعالوا إلى المصائب! في كلّ خطوة درس من التاريخ - طظ! في التاريخ القديم والحديث والمعاصر، والدروس المستقاة منه، وعاشت الصداقة العربية الفرنسية! وعاشت فرنسا حرة عربية ثانية!

إقرأوا التاريخ قبل أن يبتلعكم

عندما نفي بونابرت عن فرنسا وعاد إليها سرّا بعد أن ذاقت أوربا منه الأمرين وحيث جاءت جيوش فرنسا الملكية لإلقاء القبض عليه جدث ما لم يكن بالحسبان. فالجيش الفرنسي الذي قاتل معه في (أوسترليتيز) حينما شاهد قبعته الخاصة مال إلى جانبه! وعاد نابليون إلى الساحة من جديد مما حدا بأوربا أن تعد له معركة فاصلة في واترلو. ويبدو إن الساسة الفرنسيين الجدد ما زالوا يرون قبعة نابليون في كلّ محفل، وفي الشرق الأوسط؛ بتلك الرياش الصفر الهفهافة الخاصة. رأى السيد الرئيس كلّ ذلك من خلال أفلام وثائقية على التلفاز وهو يدخن سيكارا كوبيا خاصا أرسله له صديقه الماركسي المتشدد فيدل كاسترو. لم يقرأ كلّ ذلك في كتاب أبدا. وحتى الكتب المدرسية لم تمرّ به لأنه ببساطة لم يكن فالحا فيها. ومن هنا فإن مضرب أمثلته دائما جاءت في صعوبات خوض امتحان البكالوريا ليس للخامس الإعدادي القديم بل للصف الثالث المتوسط. لم يتعب الرئيس ذهنه بالقراءة. وما نفع القراءة بإدارة الدولة؟ ومتى كانت الثقافة هي الحسم؟ يمكننا معرفة التاريخ من التلفاز أليست الصورة أصدق من الكلمات الملتوية المكتوبة؟ تحتاج الأخيرة إلى جهد عقلي وهو لم يتدرب على ذلك.

ومرة أخرى هاؤم التاريخ يتكلم! لكم أنتم ولوعون بما كان.. دعوا التاريخ لأهل التاريخ، يقرأونه في كلياتهم، ولا تعلنوا منه شيئا للناس، لأنكم بذلك تخربون علاقاتنا وصداقاتنا الدولية. ولكن.. من يمكنه أن ينسى تلك الحادثة التاريخية الغريبة، المفعمة بالتحدي، والثأر القديمين؛ حينما وضع الجنرال الفرنسي غورو- بعد احتلال بلاد الشام – قدمه على قبر صلاح الدين الأيوبي صائحا: ها قد عدنا يا صلاح الدين! هاهم يعودون إلى التاريخ أما نحن فمحرم علينا ذلك؟ على أية حال لم تكن تلك الواقعة مجرد حادثة فردية عابرة سجلها التاريخ المعاصر في (غفلة) من الزمن الغبي حتى أصبحت مضرب مثل لجيل كامل؛ بل هي تمثل - إلى حدّ ما- ذلك الولع الفرنسي بالتاريخ والثقافة المسيحية الوسيطة، والعقد الشخصية الإفرنجية من كلّ ما هو عربي ومسلم منذ أن وصل العرب إلى حواف جبال البيرينيه. فلم يكن الفرنسيون كالأمريكان، ولا كالبريطانيين، ولا كالطليان: إنهم امة معرفة وتنوير بالدرجة الأساس، وليسوا أصحاب دكاكين، أو بارونات ضائعين وسط غياهب أوربا يمكن نسيان حساباتهم بسهولة بعد مرور عقود من الزمن. رغم ذلك يمكن الإفادة من ذلك :سوف يستدعى معلم الابتدائية في المدرسة ليسرد قصة الولد القوي الذي سجل في المدرسة في الصف الأول وهو بسن التاسعة. يروي المعلم القديم :

( كان السيد الرئيس حفظه الله ورعاه يجمع حوله التلاميذ وكان كبيرا حاملا عصا غليظة صائحا : من أنا؟؟ فيجيب التلاميذ بقوة الصوت نفسها : صقر قريش!) هذا الصقر المزعوم هو الذي أمر أن يدعى الطيارون العراقيون بلقب صقر بدلا من نسر وقد برر ذلك بأن النسور تأكل الجيف! ولم يفطن قط إلى أن النسر رمزا للعرب منذ قديم الزمان. وربما لم يعجبه رمز الأميركان في النسر الأميركي ذي الرأس الأبيض أيضا.  ومن يدري ما شعار فرنسا اللويسية الآن: ربما قنديل أم هاشم! لتنوير الشرق العربي.            

فرنسا روح أوربا النابضة. والسياسة الفرنسية في الشرق الأوسط تضرب جذورها عميقة في الحياة والثقافة العربية، مئوية النزعة، تستلهم الحوادث المنسية. غالبا. منذ الحملة النابليونية على مصر1798 -1801 كانت فرنسا تحلم بالمجد في دحر الشرق المارق الآتي من شمال أفريقيا البربري، أو من وراء أسوار القسطنطينية حيث كلف الروس بهذه المهمة ولم ينجحوا مثل الفرنسيين بالسرعة المطلوبة تاريخيا. من الصعب فصل الروح المتحدية الفرنسية عن التطلعات الاستعمارية القديمة والجديدة، والصراعات بين الغرماء التقليديين.

وكانت فرنسا غريمة دائمة لبريطانيا طوال حقب الصراع الاستعماري في القرنين الثامن والتاسع عشر. وهكذا جاء المثل التاريخي : إذا عطست بريطانيا أصيبت فرنسا بالزكام والضدّ صحيح!، مصداقا حيا، لما كان يدور بين الدولتين الاستعماريتين من صراع دائم. وكان الصراع (ديكويا) ساخنا في البحث الدؤوب عن موطئ قدم هنا أو هناك في تلك الأرجاء الرخوة من الشرق العربي والشرق الإسلامي خاصة.

خسرت فرنسا العالم العربي والإسلامي في غفلة من الزمن التحرري العارم بسبب تلك الطريقة الفجة في معاملة الآخرين، حتى نالت الجزائر استقلالها عام 1961بعد أن دفعت أكثر من مليون ونصف شهيد على مذبح الاستقلال الوطني. وعلى مدى قرن ونصف من الكفاح خرجت فرنسا الديغولية تلعق جراح هزيمة تاريخية العن من ديان بيان فو في فيتنام، وهي لا تلوي على شيء. لكنها في الوقت نفسه أضمرت للعرب والمسلمين ما يكفي من خطط تسنح بها الأيام القادمات. والأيام بيننا كما يقول العرب.

ومن اجل تنفيذ ذلك الثأر التاريخي لم تدخر فرنسا جهدا في دعم إسرائيل، فقد كانت الدولة الوحيدة تقريبا التي أسهمت في بناء مفاعل ديمونه النووي، على الرغم من أنها كانت تعلم جيدا أنه سوف يستخدم للأغراض العسكرية. إذ إن إسرائيل قد امتلكت القنبلة النووية منذ عام 1961 في أكثر تقدير؛ هذا يعني أنها لو خسرت حرب عام 1967 على سبيل المثال! لما توانت عن استعمال السلاح النووي ضد المدن العربية، ولأقدمت على محو ست عواصم عربية كما يتشدق قادتها أحيانا. كما أن طائرات الميراج الفرنسية كان لها قصب السبق في ضرب المطارات الحربية في القاهرة ومدارج الطائرات المصرية الجاثمة لينل العرب أكبر هزيمة عسكرية في تاريخهم المعاصر لا تضاهيها إلا هزيمة سقوط بغداد عام 2003.

لماذا انتم مفعمين بالمصائب؟ هل تحبون الرقص على مآسيكم في كل محفل؟

 التحول 180 درجة

فرنسا الديغولية الميترانية الشيراكية الساركوزيه المعادية لارتداء النقاب في الأماكن العامة، المستقلة عن الغرب، الصاخبة والرافضة لحلف شمالي الأطلسي (الناتو) سابقا المقتربة منه حثيثا.. وهي تقترب حثيثا من العرب ثانية، بسرعة خارقة، ومن قضاياهم المصيرية العادلة- يا للكلمات الستينية الرنانة!- وهي في الوقت نفسه لا تحمل إسرائيل المسؤولية كاملة عما حدث لأولئك البدو الرحل المساكين الذين يطلق عليهم جزافا أسم فلسطينيين حيث اغتصبت أراضيهم ببضعة أيام سود. وأية أرض لبدوي متنقل؟! لكن فرنسا ترى بعين العطف تلك الشعوب التي لا تقلّ أهمية عن الغجر! هل هي صحوة ضمير فرنسية؟! الدول بالطبع ليست كالأشخاص، ولا يمكن قياس ذلك بتلك الطريقة الفجة في المقارنة التي لا يحسنها إلا زائرو الإليزيه من حكام البدو؛ بل توضع غالبا في حساب المصالح الحيوية لفرنسا التي تحولت 180 درجة تماما بين ليلة وضحاها. ولم يسأل زائرو الاليزيه: لم؟؟ ثم صاحوا بنا من جديد: ماذا تريدون منا؟! حتى أصدقاء العرب المخلصين نطردهم؟ يا لكم من جحودين! أنتم تجار دفاتر عتيقة: عرب وين وغورو وين؟! قبعة نابليون في الشرق الأوسط! هل عدتم إلى هذه العنعنات؟! نحن في عاصمة النور والتنوير وأنتم تتحدثون عن غورو و ماسونية بونابرت والبحث عن قبعته اللاصفة، والحملة الصليبية التاسعة على أسيوط؟! غائصون حتى الركب في مستنقع التاريخ. عرفنا الآن لمَ أنتم لا تصنعون حوادث التاريخ لن الحوادث التاريخية هي التي تصنعكم دائما. تعيشون على فتات الماضي.. يا لكم من سذج!

ولماذا تريدون لفرنسا أن تعتذر عن جرائمها في الجزائر؟ ألا يكفيكم أنها بنت أول مفاعل نووي ( تموز/ أوزيراك) في العراق؟ وما ذنب فرنسا إذا كانت حكومة العراق لم تغطس عميقا باوزيراك مما جعله طعما سهلا للطائرات الإسرائيلية عام 1981 والتي تم أرضاعها في سماء بلد شقيق؟ ألم ينتحر احد ضباطنا الأشاوس في الدفاع الجوي بسبب ضربة المفاعل؟ هذا دليل واضح على أننا نمتلك روح الألمان في الانتحار العسكري. هكذا نحن أيضا : عبد الله لعيبي حينما وجد أن الطائرة الإيرانية ستؤذي الوطن وهو خال من الصواريخ ارتطم بطائرته وانتحر.. أي استشهد.. لدينا أمثلة كثيرة على ذلك. كان السيد الرئيس يحلم أن يكون طيارا، لكن الحظ لم يحالفه لأنه لم يحصل على شهادة الإعدادية في وقتها. ( لهساع عندي رغبة بالطيران بس العمر ومشاغل الدولة تدري ليش أغار من الملك حسين أبو الأردن لأنه طيار.. بس.. بس هو أبو أيلول الأسود والمملكة الهاشمية المتحدة.. لكن علاقتك به قوية؟ ههههه لأنه هاشمي وأنا همين من سلالة النبي – سويناها!- خو مو مثل حسني مبارك ما يعرف أصله من فصله يقول أبي فلاح هههه لكنك تقول عن أبيك فلاح أيضا وليس حارس مدرسة..؟ إي فلاح بس من سلالة النبي!)

ها هي قد عارضت احتلال العراق؟! ألا يكفي ذلك؟ أما ترون مواقفها البناءة لصالحكم؟ ماذا تريدون من فرنسا أكثر من ذلك؟! انظروا إلى غريمتها القديمة بريطانيا التي أصبحت ذيلا للولايات المتحدة وقارنوا بين الموقفين في الأقل. إنه ساركوزي الذي وصفه رجل دين عراقي : ( هذا اللي أسمه ساركوزي يتدخل في شؤون العراق.. يابه أنت وين والسياسة وين؟ د..رح لعشيقاتك!) كان هذا الأخير يقيس السياسة الخارجية بمجموعة من القيم الجنسية فحسب

 سأستاف هؤلاء بخرطومي

نيكولا ساركوزي البلغاري الأصل حينما كان وزيرا للداخلية إبان حوادث العنف التي مارسها شباب ضواحي باريس من الأفارقة، وجلهم من المهاجرين من شمال أفريقيا أعلن صراحة انه سيعمل من اجل قوانين جديدة للهجرة بدت ملامحها العنصرية في فحوصات الحمض النووي لمن يريد الالتحاق بأهله. ولم يجد ساركوزي ثمة حرج إنساني في ذلك من اجل فرنسا. وهاهو ينظر إلى المهاجرين نظرة دونية من جديد. ويريد أن يستافهم بخرطومه التنويري.

وتتخذ صريحات برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي خطا متشددا أكثر من رئيسه. فطالب علنا بتغيير حكومة المالكي. ولم يهتم إلى حدوث أية أزمة دبلوماسية. ومازال يصرح بقوة أكثر من البريطانيين حول عدم السماح لإيران في أن تكون دولة نووية، ولو حدث ذلك فسيتم على أنقاض حرب إقليمية؟ ما الأفضل حرب ضد إيران أم تعرّض العالم إلى خطر نووي؟! هكذا تتساءل الدبلوماسية الفرنسية التي تحاول أن تظهر هذه الأيام Gun Boat Diplomacy أي دبلوماسية القوة العابرة للحدود القديمة وليدة العصر الاستعماري.

فالفرنسيون أكثر تشددا من البريطانيين هذه الأيام, وخراطيمهم ممدودة للحاق بعملية الشفط الدولي في العراق أو البلدان المرشحة للعرقنة او الأفغنة. هل يبحثون لهم عن موطئ قدم في حرب قادمة؟ ربما. وهل سيحلون محل البريطانيين في عمليات الاستيلاء على نفط جنوب إيران القادمة؟ وهل أن زيارات كوشنير الشرق أوسطية من أجل بناء ذلك (السد العربي الجديد) أو (البوابة الشرقية الثانية!) الذي اقترحه الجنرال (فالون) القائد السابق للجيش الأميركي في المنطقة الوسطى؟ ربما يظن الفرنسيون أن مازال ثمة متسع من الوقت لهضم شيء ما في الشرق الأوسط. وما زالت قبعة نابليون مدفونة في مكان ما. أبحثوا.. آه نسينا أمرا مهما: العرب لا يبحثون في المعارف بل عن الكنوز المدفونة تحت الأرض دائما وذلك هو ولعهم، وتلك مصيبتهم الكبرى التي حالت بينهم وبين تقدمهم بين الأمم الحية.

              

(*) معركة بواتيه: أو بلاط الشهداء جرت على الحدود الأسبانية الفرنسية في 10 أكتوبر 732م/ 114هـ بقيادة شارل مارتل وقد أبيد المسلمون بقيادة عبد الرحمن الغافقي عن بكرة أبيهم مما أوقف الزحف الإسلامي في العمق الأوربي.