امض عني

ربيحة الرفاعي

[email protected]

-ماذا تريدين مني؟

ألح عليها سؤاله ذاك بعنف وتمنت لو استطاعت أن تجيبه، أن تقول بصلابتها المعروفة:

لا أدري ... أكنت أنت تعرف بما كانت تريد منك أمك ، بل هل كانت هي تعرف ما الذي تريده منك؟

تذكر أنك أنت من فعل هذا بكلينا، ماذا كان لي أنا وهذه المتاهة التي أدخلتي، كنت اعتدت صحراء عواطفي، وألفت صمت المشاعر إلا من أمومتي لأطفالي، وخواء الروح إلا من إحساسي بالواجب تجاه من كنت أنا سببا في وجودهم، فصاروا سببا وحيدا لبقائي.

قاومت الغصة التي انتابتها عندما سمعت خطوته بالباب، وسارعت بفتحه، ليس أبشع على نفسها من كل ذلك الركود والاسترخاء يرمي بقذارة ثيابه وشعر رأسه على المقعد، حيث يتمدد بمجرد عودته من عمله ولحين تقوم وأولادها بانتزاعه منه نائما، ليقتنع بالتوجه إلى فراشه، لاشيء إلا ذلك المقعد المقوس من ارتماءه اليومي عليه، وشاشة التلفزيون تتقافز عليها المحطات بين واحدة تعرض فيلما أجنبيا مغرقا بالدموية والاستثارة الغريزية، وآخر هندي يغير الوجوه الكاذبة ويكرر ذاته.

كيف زلزلت بوهج حضورك هدوء أيامي، وخرجتَ بكل الأشياء عن مسارات رسمتُها لها طويلا لأتمكن من المواصلة؟ .. أمضني خطوك الواثق يثير في روحي ضجيجا ما عرفته، لماذا حدثتني في ذلك اليوم عن أمك التي مضت تشتاقك، فنقرت نبض الحياة الوحيد في روحي، وصرت سببا آخر لبقائي، سببا مختلفا حادا متوترا كجرح نازف، لماذا تحرش أنينك بجفاف مشاعري ، وروحي الهامدة، أخلتها تهتزّ وتربو بنداك العذب يلامسها، أخلتها تنبت أو تتفجر فيها ينابيع الحياة؟.

لا سيدي.. هنا أقصى حدود جنوني ، فاهدأ الآن أرجوك، خفف من حيوية جوسك بداخلي، واتركني ألملم أشلائي، أنا لن أعمر يباب أيامي بيباب ضميري.

نظرت بطرف عينها إلى ذلك المستلقي على ذات المقعد يتابع من بين عينين نصف مغمضتين ذات المشاهد، وبغير أرادة صدرت عن صدرها زفرة تاهت بين الضحكة والتنهيدة ...

امض بربك عني...

لم تدر لأيهما قالتها.