قصتان قصيرتان

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

1-   حديقة و إبداع

كانت حديقة الحيوان تجتذب الزائرين بحيواناتها المختلفة  و طيورها المعروضة في الأقفاص و الحظائر و خاصة النعام و الحمار الوحشي و الطاووس بأنواعه.

ذات يوم قائظ من أيام تموز لفظ حمار الوحش  الوحيد أنفاسه الأخيرة دون سابق انذار.احتار القائمون على شئون الحديقة من موظفين  و إداريين ، فأنى لهم إحضار حمار جديد بنفس المواصفات من حيث جمال الهيئة و تنسيق الخطوط، لقد كان يجذب العشرات من الزائرين و خاصة الأطفال و اليافعين.

المدينة تعاني من قيود على الاستيراد  و ثمة شح في العملة الصعبة و هناك قيود خارج نطاق السيطرة.

-  وجدتها ، "صرخ احد  الموظفين الغيارى العاملين في لجنة المشتريات و التزويد "

و ما هي إلا ساعات حتى كان اقتراحه موضع تنفيذ فقد انطلقت لجنة المعاينة بعد أن أخذت موافقة المدير العام إلى أزقة المدينة. عادت اللجنة تجر معها حماراً محلياً يميل إلى البياض، و أدخلوه للحظيرة الخاصة به ، و تبعه أحد العمال و في يده فرشاة و علبة دهان سوداء و بدأ يرسم بمهارة خطوطاً سوداء و لم يمر وقت قصير حتى  كان الحديقة حمار وحشي جديد أدخل فرحة في نفوس أطفال لم يدرك بعضهم ما جرى بعد أن رحل الفقيد.

2-   المغني الشعبي

انتشرت ظاهرة إحياء حفلات الأعراس بوجود مغني شعبي ذائع الصيت في مختلف القرى و الأرياف حتى أصبح كل مقبل على الزواج حريصاً على استدعاء أحد المغنين لإنجاح الحفلة ، و كان لذلك مصاريف إضافية و متطلبات و إكراميات تضاف إلى الأعباء الواقعة على كاهل العريس المنتظر.

  ذات صيف تكاثرت فيه الحفلات و تخللتها الدبكات الشعبية ، و على هامش الأخبار المبالغ فيها عن المبالغ التي يتقاضاها  المطربون الشعبيون لمعت في ذهن (أبو أحمد) فكرة ظن أنها طاقة الفرج أو خاتم سليمان.

-  نعم ، عندي الموهبة ، و هؤلاء ليسوا أعلى مني شأناً، و أنا لست أقل منهم نباهة "همس أبو احمد. بعد أيام شوهد أبو أحمد و هو يشتري مكبرات الصوت و الميكروفونات و يستأجر سيارة نقل صغيرة تقله إلى إحدى القرى المجاورة التي كانت على موعد مع إحدى الحفلات. في البداية حاول أحدهم أن يحشر انفه و يسأل عن سر الميكروفونات غير أن ( أبو أحمد ) كان كتوماً .كانت صفقة إحياء الحفل قد رتبت من خلال أحد الوسطاء في القرية المجاورة و كان صديقاً قديماً – غير أنه أخذ عمولته مسبقاً- رغم  أن ( أبو أحمد ) قد طلب أجرة متواضعة لأنها الحفلة الأولى و قد تكون فاتحة خير .

فرح العريس بالتسهيلات المادية، و ما هي إلا فترة وجيزة حتى كانت جموع الفلاحين تنتظم في صفوف مدروسة على أهبة الاستعداد للدبكة و الأهازيج. اشرأبت أعناقهم نحو المغني الجديد و كلهم أمل أن تهتز الأرض تحت أرجلهم و تترنح أجسادهم بهجة و حبورا.

-  " أهلاً بيكم أهلا بيكم.... أبو أحمد بيحييكم !" صاحت حنجرة أبي أحمد ، تجاوب الناس و اهتزوا فرحين بالبداية، و حدقوا ثانية بأبي  أحمد حتى يمطرهم بسيل من شعر جديد . ازداد نحنحة و حشرجة ثم طلب ماء فأسرع القوم يقدمون له الماء و العصير الطبيعي.

أمسك أبو احمد من جديد بالميكروفون و صدح من جديد " أهلاً بيكم ...."تشابكت الكلمات في جوف أبي احمد  ليكتشف أنه يفتقر للموهبة و أن حفظه لبضعة أبيات لن يشفع له أمام هذه الجموع التواقة للفرح، و لن تسمح لأحد كان أن ينغص عليها فرحتها.

مرت ثوان عصيبة أعقبها صوت صراخ  الشاعر الشعبي و هو يتلقى ضربات موجعة. قال شاهد عيان " لم يرتفع لأبي احمد صوت في عرس بعدها أبداً..و ما زال يحتفظ ببقايا مكبرات  الصوت المهشمة ".