سفر بلا جواز..

سفر بلا جواز..

عماد كامل

العراق- البصرة

[email protected]

إلى صورتي التي لا أشبهها... محمد حسن

كثير من الأصدقاء يسقطون من حياتنا فنتركهم تغطيهم أتربة الذاكرة دون أن ننفضها عنهم،ينتهون كأعقاب السكائر..إلا هو.. بقيت احمله في قلبي..محمد صديقي منذ الطفولة.. القيثارة القديمة كما يحلو لي أن اسميه..لم اعرف كيف اجتمعنا نحن النقيضين.. فما كان يملكه ينقصني ملكه.. لم نفترق فتعلقي به كان غريبا يغلفه غموض عصي على التفسير..يحيطه الغموض من جميع جوانبه..

الصداقة ملك يتربع على عرش القلب.. في عينيه يسكن الوفاء والإخلاص الذي يعز وجوده..تجذرت علاقتنا يوم بعد أخر..وكأن أجسادنا تضمها روحا واحدة..أحببته كثيرا.. وكان أهلا لهذا الحب الجنوني..

كان إنسان طيب القلب..رقيق..مرهف الشعور..تنساب كلماته كنسمات ندية..الابتسامة الطفولية لا تفارق شفتيه..رائعا بكل صفاته إلا عزلته التي كانت مملكته الأثيرة..

في يوم خريفي وبينما كانت الزرقة تهرب من السماء..والرياح تهجم حاملة معها أوراق الشجر وذكريات صيف كوى أرواحنا بنار شمسه الملتهبة..كنا جلوس عند ضفاف شط العرب..كان يمعن النظر في الصور المعكوسة على سطح الماء..ويرقب تضاريس الألم على وجوه المارة..الوجوه التي غابت ملامحها..على الجانب الأخر  يغرق النخيل هادئا تحت أشعة الشمس الذهبية..بالقرب منا يقف السياب على منصته وكأنه يلقي شعرا على أسماع البصريين... سألني ماذا سيقول السياب لو رأى ما حل بنا من الخراب الجميل..أجبته حتما سيقول:الشمس أجمل في بلادي من سواها..ابتسم وقال لي اخفض صوتك لان الشعراء كالملائكة يسمعون ما يقال عنهم.. عبر صاحبي الحدود في الاتجاه المعاكس من دون جواز سفر مع الذين تنفيهم بلادهم وتزهد بهم المنافي.. كان يعتقد إن الهروب غير متاحا بعد الآن..بعد عام أرسل إلي رسالة كتب فيها:

لا شيء يعدل الهروب.. حيث لا ترى الطبالين والملمعين..ولا من يبني مجده على جماجم الآخرين..ولا الذين يصنعون أبراجهم من الوهم..أما المرايا فلا تعكس غير صورتي..وقد التقيت بأناس ارق من نسائم الربيع..فأجبته في رسالتي أما أنا فلا زلت أحملك في قلبي.