وهم الحب الأول

وهم الحب الأول

ليلى رابح / الجزائر

[email protected]

جمعتهما الأيام على غير ميعاد ، تبادلا النظرات و البسمات ، تخاطرت عقولهما فأحسا أنهما عثرا على توأم روحيهما ، تصادقا و تحابا و تواعدا ...

مرّت الأيام شاهدة على صداقة نادرة بين رجل و امرأة أو هي بالأحرى صداقة امرأة لرجل ، فبينما كانت تحكي له كل آلامهما و آمالها ،ظل هو يصغي إليها و يرشدها و يفتح لها قلبه و سمعه و بصره لكنه بقي غامضا عنها ، تجهل عنه الكثير و تحلم بالكثير ، لم يتمكن الرجل من البوح بمكنون صدره و أحس في قرارة نفسه أنه لن يتمكن من الاكتفاء بصداقتها فطمع في المزيد و المزيد ...

وعدها بالكثير و الكثير ، فرحت المرأة المسكينة و راحت تنسج خيوط حكاية سحرية ابتدأت بنظرة . و ابتسامة جعلتها تغوص في بحر من الأوهام الحالمة و مملكة من الكلمات العذبة و المشاعر الرقراقة.

 ظنت طوبلا أنها لمست سماء السعادة و طالت نجوم الحب القدسي الطاهر .. ؟

ظنت أن العمر قد امتد و طال و أن ورود الطبيعة خلقت لتزهر لأجلها وحدها و رأتها رأي العين تبتسم لها و تنحني كلما هزتها النسمات تحية لها و إجلالا .

ظنت أن في الهواء عبيرا معطرا لا يستنشقه سواها و أرواح طيبة عذبة تحوم حولها لا يلمحها غيرها . كان المطر يغسل كل أحزان عرفتها قبل أن تعرفه و كانت الشمس تسطع بكل كلمة ساحرة نفذت إلى قلبها و انطلقت من لسانه.

ظلت تنتظر قدومه و هي تحيك ثوبا جميلا طويلا طويلا عزمت ان ترتديه كل العمر و لا تخلعه أبدا ، لم يكن ككل الأثواب يتسخ و يتلطخ او يتمزق ، لم يكن على مقاس أي فتاة سواها .

و ظلت تنتظره ، و قد غاب الصديق الحبيب إلى غير رجعة .... لكن بعد ماذا ؟؟

لم يعد يسأل عنها بعدما كان لا يبرح لحظة دون التودد إليها ، لم يعد يكترث لما يصيبها بعد أن كان لا يهدأ له بال حتى يعرف أدق تفاصيل حياتها ، حاولت كسر جدار الصمت الرهيب لكنها فشلت، حاولت التماس كل الأعذار له و أبت أن تقر بأنه الفرار ..

تألمت لفراقه و بكت بحرقة و بحرقة و عادت لحزنها الأول و كأنها لم تبرحه البارحة، عادت وحيدة دون حبيب و حتى من دون صديق أنيس. و تعودت على الألم أو هو الألم قد تعوّد عليها. تلطخ ثوبها الجميل الطويل و تمزق و تقلص حتى لم يعد يرى له اثر من أدنى خيط فيه ...

و مرّت الأيام دون أن تبستم لها الورود أو تنحني ، و غمر الضباب الزمان و المكان و لم تعد الشمس ساطعة مشعة بل أضحت حارقة خانقة حتى المطر لم يعد يغسل حزن السماء بل كان يدميها.

و توالت الأيام ... تجتّر أحزانها و لا تبتلع غصّاتها .. تحن إليه كلما تذكرت وقع كلماته المعسولة على نفسها و تنقم عليه كلما التفتت لواقعها فرات نفسها وحيدة، فريدة ، كان حبها الأول أو هكذا اعتقدت لكنه مات في قلبها كما يموت الجنين في أحشاء أمه ، فيولد ميتا و لا يرى النور أبدا ، عزاؤه أنه منح أمه فرحة عارمة غمرتها فجأة ثم ما لبثت أن غادرتها فجأة أخرى ، مرت سنون و سنون جعلت منها حبيبة لرجل آخر و أما لأبناء ملئوا حياتها حبا و أملا ، و مرت أيام و لمحته فجأة، صدفة من غير ميعاد كما في أول مرة لكن قلبها لم يخفق لرؤياه .. اكتفت بتحية عابرة بعينيها الناعستين دونما قصد منها و ظل هو مدهوشا ينظر إليها ، مرت من أمامه و لم تستدر خلفها .

أطرقت حينا ، تساءلت لم لم يخفق قلبها لمرآه ؟؟؟ أليس هذا هو الصديق الحبيب أو الحبيب الصديق .. لم تثر صورته في ذاكرتها سوى أحزان ماضية ، رفعت هامتها من جديد وواصلت طريقها مسرعة نحو مملكتها الصغيرة ، ابتسمت في سرّها و تأكدت حينها أنّ قلبها لم يخفق له يوما و أنه لم يكن سوى وهما.