وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
من قصص التراث الشعبي الفلسطيني
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
كان أخوان اثنان يعيشان في رغد وسعة من العيش ، أنجب أحدهما بنتا وأنجب الآخر ولدا ، ولم ينجبا بعدهما شيئاً ، اتفق الاثنان أن يزوجا البنت للولد بعد بلوغهما سن الزواج وتعاهدا على ذلك ، مات أحدهما وهو أب البنت ، ثم ماتت أمها فيما بعد ، وعاشت البنت عند عمها الذي لم يعش بعدهما طويلا .
أصبح الشاب يعيش مع بنت عمه في بيت واحد ، وكان لكليهما ماله وتجارته الموروثة عن أب كل منهما ، كان للشاب صديق عزيز على قلبه ، عندما رأى بنت عمه خطبها إليه ، وافق الشاب على زواج صديقه من بنت عمه ، تزوج الشاب الفتاة ، وسافر بها إلى بلاد بعيدة .
حزن الشاب على فراق بنت عمه حزنا شديدا ، وأثَّرت شدة حزنه على تجارته وأرباحه ، وبدأ بالتراجع حتى خسر كل ما يملك من تجارة ومال .
شعر الشاب أن كل ما أصابه كان بسبب ذلك الشاب الذي تزوج من بنت عمه فعزم على الانتقام منه .
رحل الشاب من موطنه عازما على قتل صديقه ، وسافر الليالي والأيام حتى اهتدى إليه ، كان يسكن صديقه مع بنت عمه في قصر شامخ ، استأذن في الدخول على صديقه ولكن صديقه امتنع عن مقابلته .
عاد الشاب حزينا هائما على وجهه ، وظل يمشي حتى وصل إلى شاطئ البحر، وهناك وجد اثنين يتخاصمان على صندوق كل يدعي ملكيته ، طلب الاثنان من الشاب أن يحكم بينهما وقد ارتضياه حكما لهما ، كان الشاب قد أصرّ في نفسه أمرا .
ألقى الشاب حجرا في البحر وقال لهما : اذهبا وابحثا عنه وأيكما أتاني به فالصندوق له .
ذهب الاثنان ليبحثان عن الحجر ، وخطف الشاب الصندوق وفرّ به هاربا ليجده ممتلئا بالذهب والمال .
عزم الشاب أن يعود إلى ذات البلدة التي يعيش فيها صديقه الذي تزوج من بنت عمه ، والذي كان سببا في دماره ، من أجل منافسته والكيد له ، وبدأ بالتجارة ، واشترى البيوت والقصور والمتاجر ببضائعها ، حتى لمع نجمه وانتشر خبره وأصبح من كبار أعيان المدينة ، ترك العاملون عند صديقه أعمالهم والتجأوا إليه رغبة في زيادة الأجر ، وكان لا يرفض عاملا جاءه باحثا عن رزقه .
وفي يوم من الأيام جاءته امرأة عجوز أشفق عليها ، وجعلها تعمل في تجارته ، كانت هذه المرأة العجوز تعتبر الشاب مثل أبنائها وكانت تهتم بشأنه كثيرا ، طلبت منه مرة أم يتزوج ، عارضة عليه أجمل بنات المدينة ، ولكنه رفض .
وفي يوم دخلت على متجره بنت جميلة تريد الشراء ، نظر إليها الشاب وقال للعجوز : أريد هذه البنت .
ذهبت المرأة العجوز لخطبة الفتاة على ذلك الشاب ، ودعا الشاب جميع وجهاء وأعيان المدينة ، حضر الجميع وكان صديقه من بين الحاضرين .
وعندما انتهى حفل الزفاف ، وذهب الجميع إلى بيوتهم ، نظر في مكان ما من قصره ، فإذا بصديقه يجلس ويرفض الخروج ، جاءه مسرعا ومخاطبا ، ما الذي يجلسك ؟ أليس كل المدعوين قد انصرفوا إلى بيوتهم ؟ .
قال صديقه : لا أريد الانصراف ، ففرحك هو فرحي ، وسعادتك هي سعادتي ، ويجب أن أقوم بواجبي معك كاملا ، ولن أتركك .
رد عليه الشاب قائلا : أنت كاذب ، ولو كنت صادقا لخرجت لاستقبالي يوم أن زرتك في قصرك .
قال صيقه : في يوم زيارتك لي ، كنت جالسا في اجتماع هام لكبار أعيان ووجهاء المدينة ، وقد أثنيت عليك بحضورهم ، وأبلغتهم عنك بأنك الوجيه الفاضل والشهم الكريم ، والتاجر الكبير ، ولما نظرت إليك من نافذة قصري وأنت في ثيابك البالية ، خشيت أن تدخل قصري فتتأثر صورتك التي رسمتها لهم فأكون في نظرهم كاذبا وتبدو أنت في نظرهم في صورة ليست بالصورة التي أبلغتهم عنك .
أما المرأة العجوز التي كانت تحضنك وتخدمك فهي أمي .
وأما الاثنان اللذان كانا يتخاصمان على الصندوق على شاطئ البحر فهما أخواي أرسلتهما لك ومن أجلك .
وأما زوجتك التي تزوجتها فهي ابنتي .
وأما العمال الذين هم عندك فهم عمالي أرسلتهم لك .
وأما بضاعتك وأملاكك وقصورك ومحلاتك التجارية فقد كانت ملكا لي تنازلت عنها لك ومن أجلك .
. وأنا لا أنسى فضلك ، يوم أن آثرتني على نفسك وزوجتني من بنت عمك .
انتهت القصة ويَسْلَم لي القارئ.