الخراف في غابة الخنازير

محمد حسن فقيه

[email protected]

قصة للأطفال ......... والكبار

قال الجد وهو يتربع على الأرض ويسند بظهره إلى الوسادة المحشورة بينه وبين الجدار: سيكون اسم  حكايتنا اليوم  ياعزيزاتي  سندس وسلسبيل الشاطرات " الخراف في غابة الخنازير" .

ثم بدأ حكايته قائلا :

عند الخراف أراض ممتدة شاسعة ، وحقول خضراء واسعة ، وبساتين وارفة يانعة ، ومراع متنوعة وفيرة ، ومياه متدفقة غزيرة ، وكنوز دفينة كثيرة ، لكنها معاشر الأغنام والخرفان ضعيفة مشتتة ، ولا تعدو أرقاما في عالم الزمان والمكان ، فليس هناك من راع حصيف يجمعها ، ولا من كبش قوي يقودها  ويشد من عزيمتها أويرفع معنوياتها ، بل أغلب كباشها - أو بالأحرى خرافها  الجلحاء لأنه لا يوجد بينها كبش بالأصل - إن خالف أحدها العرف وتجاوز المألوف ، فها هي قبضة الخنزير تسحقه ، أو مخالب الذئب وأنيابه تنهشه ، بل حتى القرد اللعين يسخر منه ويهزأ به وربما يثب فوق ظهره ، أو يصفعه على مؤخرته  ، دون أن يحرك فيه إحساسا ، أو يوقظ نخوته التي تخدرت ، ومشاعره التي تبلدت ، وكرامته التي دنست .

يعيش الخنزيرا بعيدا عنها خلف البحيرة الكبيرة ، ويسمنّها بما يقدم لها من فتات وعلف تملأ به بطنها ، شريطة أن تنسى مراعيها الوفيرة  ! .

وعلام تتعب نفسها في الذهاب إلى المرعى كل صباح تحت قيظ الحر أو برد الشتاء ، مادام يوفر الخنزير لها ما تحتاجه  من علف على مرابطها في إسطبلات واسعة مكيفة حديثة  ومريحة ، كما أنه لا يقصر ولا يتأخر أبدا في تقديم ما تحتاجه من قطران أو أي علاج أخر لأي علة  تنتابها  لتعالج به جربها ، أو أمراض السيلان وغيرها ، والتي انتشرت بينها بعد أن شجعها على سياسة الحرية بين الخراف والأغنام ، فهي علامة رقي ومدنية تلحق بركاب القردة والخنازير وتتشبه بهم ، وكل هذا مقابل بعض الكنوز الدفينة التي يستخرجها من أراضيها وقيعانها االفسيحة ، لأن الأغنام عاجزة عن استخراج كنوزها ، فهي لا تملك نابا ولا مخلبا ! .

وأما الذئب والذي كان يعيث فسادا في حظيرتها ومزارعها وأراضيها ،  فلم يغادرها إلى موطنه خلف النهر ، إلا بعد أن جمع شتات القردة والسعادين وأتى بهم إلى حظيرتها واقتطع لهم أخصب قطعة من أرضها كهدية لهم واستوطنهم بها !  وصدق من قال : من لا يملك ، يجود على من لا يستحق ! .

وبعد أن أوصى الذئب أصحابه كالخنزير والدب وسائر الحيوانات الأخرى بالإعتراف  بحظيرة السعادين الجديدة  والتي شيدت وسط حظيرة الخراف ، والعناية والإهتمام بها ومساندتها ، وتقديم جميع وسائل العون والدعم لها  ومدها بكل ما تحتاجه ، فهي ممثلة عنه بالنيابة ، وعن الخنزيرأيضا في هذه الحظيرة ، بل أصبح الخنزيرمع مرور الأيام وتقادم الزمان  أبا روحيا للسعادين ، وأصبحت هذه القردة بالنسبة إليه الربيب المدلل .

همس القرد في أذن سيده الخنزير : سيدي الخنزير إن هناك خروفا ينبت له قرنان ..... أنظر إنهما يكبران .... إنه ينظر نحوي وعيونه تتوهج شررا يريد أن يقتلعني من أرضي ... ألا تراه ياسيدي .... لقد بدأ ينصرف إلى مراعيه ولم يعد يعبأ بكم وبتعليماتكم ..... وأنت ملك الحظيرة الحقيقي  وما حولها ! بل أنت ملك الغابة .... وها هو يتمرد على مجتمع قطيعه ... بل وعليكم يا سيدي.... ليس هذا فحسب بل إنه يحرض بعض خرفان القطيع .... بل ويهيمن على بعض مراعيكم في حقول الخراف الجرباء .

حمحم الخنزير ثم مسح بمخالبه على مؤخرة القرد الحمراء يداعبه ، ثم طبع قبلة  ود  من خرطومه القذر على خياشيم القرد : كن مطمئنا يا عزيزي ..... واعلم أنك في أمان ما دام الخنزير معك ... فأنت تحت حمايتي وفي رعايتي وما يصيبك يصيبني ، وما يسوؤك يسوؤني ، ولا تنسى أيضا الذئب معك ... إنه معك ... وكأنك نسيت من أتي بك إلى هنا ، ووهبك هذه الحظيرة وحصنّها لك ؟

- لا لم أنس يا سيدي وكيف لي أن أنسى هذا الفضل لمن أسدي إلى هذا الجميل .... لكن الدب .... الدب يا سيدي .... أيعقل أن يكون حليفه ؟

- إن الدب يحبك كثيرا ويجلّك ، ويكنّ لكن احتراما وتقديرا كبيرا ، هل نسيت جهوده وما قام به من  تهجير أشقائك السعادين من أرضه إلى حظيرتك الخصبة ؟ لقد دعمك وأيدك من أول يوم أعلنت اسم حظيرة السعادين واعترف بك .

 ومن ثم  إن ارتبت في أمره فلا تحسب حسابه ودع أمره لي  ..... سوف أدبر أمري معه ، فلقد شذبت لك مخالبه ، وخلعت لك أنيابه ، بعد أن جفت مراعيه  وضمر بطنه ونحل جسده وداهمته العلل والأمراض ، وها هو الأن يجري خلفي لأرمي له بعض الفتات ، ولا تنسى المثل القائل : جوّع كلبك يتبعك .

- ولكن لا تنسى الكبش يا سيدي  ..... إن قرنيه يكبران .

أرسل الخنزير فئرانه إلى مزرعة الكبش لتستطلع له حقيقة الأمر وتأتي له بالأخبار ، ولا تألو جهدا في تخريب وتدمير كل ما تستطيعه  في مزرعة الكبش ، وعندما أحس بها الكبش وقد تسللت إلى مزرعته ، وبدأت تعيث فسادا وتخرب في مزارعه ، داسها بحوافره وعفسها بعنف حتى أخرج أحشاءها .

ثارت ثائرة الخنزير ، فالفأر مرسل من قبله  في مهمة استطلاعية ويعمل خادما له ، وقد تعرض إلى هذه النهاية المخزية ، ودون أن يلقي الكبش بالا أو يكترث به أو بمن أرسله .

- ألم أقل لك يا سيدي الخنزير إن هذا الخروف قد تمرد وظن نفسه كبشا حقيقيا  ، لقد أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لمزرعتي بل ولجميع مصالحكم في حظيرة الخراف الكبيرة ..... إنظر يا سيدي لقد أصبح قرناه كبيرين  ... أنظر .... أنظر إنه يضع رؤوسا حديدية مدببة على قرنيه ويلبس طوقا من الإبر والمسلات في عنقه .... إنه يتشبه بكم يا سيدي ! .

- وهو يتشبه بك أيضا يا حبيبي السعدان ! لقد أهديناك رؤوسا مدببة  حديدية وفولاذية  ، ومنحناك أطواقا متعددة من الإبر والمسلات ... ولكن لا تخف ولا ترتعد ، هوّن عليك .... سوف أقلم لك حوافره ، وأكسر قرنيه ، وأسمل عينيه ، واقتلع أذنيه ، وأسحب لسانه من جذوره ، وأغلق جميع منافذ الدنيا عليه ، وأقطع رجليه ليصبح  كسيحا وعاجزا ، أصم وأعمى ... ومحاصرا في سجن كبير.....  فكن في مأمن يا عزيزي: "لسعدون" .... فتماسك قليلا ولا تكن جبانا جدا ... إن لك سنوات عديدة في مزرعتك ولم يمسك أحد بسوء ، بل قد وسعت حظيرتك على حساب مزارع الخراف والأغنام الجرباء ، وها أنت ماض في تأسيس حظيرتك المنشودة إلى مابين الجدولين .

هز القرد برأسه علامة الرضا وإن كان قلبه ما زال يرتعد حقيقة .

في اليوم التالي قام الخنزير مع حليفه الذئب وربيبه القرد بتأليب حيوانات الغابة ضد الكبش لأنه يتشبه بالذئب والخنزير بما يضعه من رؤوس مدببة حديدية على قرنيه ، وطوق من الإبر والمسلات حول عنقه ، فهذا يعبر عن نزعة عدوانية ، وطبيعة إرهابية ، وطموحات توسعية ، على حساب مزارع الجوار وفي هذا خطر على حيوانات الغابة جميعها ، بل إن الخطر الأكبر على إخوانه الخراف الجرباء ، فهو قد يستولي على مزارعها ويتولى قيادتها ! .

أما ما يتقلد به الخنزير والذئب  من أطواق الإبر والمسلات .... بل ومصانعها المتقدمة لديهم .... فهذا كله لإجراءات دفاعية ، ودواع أمنية ، للحفاظ على الغابة ومزارعها وحظائرها ، من كيد المعتدين  وشر الإرهابيين ، فهم أمناء على هذه الغابة ، وهم حراسها الحقيقيون .

أرسل الكبش مندوبيه بشكل سري- لأنهم لا يجرأون على استقبالهم في العلن - إلى جميع مزارع أشقائه الخراف يطمئنهم ويهدأ من روعهم ، ويشرح لهم أن قرنيه وأطواق الإبر والمسلات ليسا إلا لمحاربة أعدائهم واسترجاع المزارع المغتصبة من القرد وأسياده .

أرسل الخنزير والذئب ممثليهم إلى قطعان الخراف الجرباء يقدمون لهم النصح والمشورة من الخطرالداهم الذي يتهددهم من قبل ذلك الكبش المتمرد ، فإن سياسته العدوانية ، وأهدافه الإرهابية ، تنوي إزاحتهم عن مواقعهم ، والإستيلاء على مزارعهم ، ونهب خيراتهم ، وليس لهم للحفاظ على حظائرهم سوى التعاون مع الخنزير والذئب وحلفائهم ، لردع هذا الكبش المغرور وإيقافه عند حده ، وإبطال خططه وتقليم قرنيه وحوافره ، ونزع طوق الإبر والمسلات من عنقه ، حفاظا عليه كي لا يجرح نفسه بها ، أو يؤذي إخوانه من الخراف والأغنام الجرباء ! .      

اجتمع مجلس الخراف بكافة أنواعها وفصائلها ، أغنام وخراف وما بينهما ، حمراء وبيضاء وسوداء ، سمينة وهزيلة ونحيلة ، بإلية كبيرة أو ذنب طويل أو عصعص ، عدا الكبش الأقرن فهو المتمرد والخارج على قانون الخنوع فهو ممنوع من حضور هذا الإجتماع ، وأيضا كل من لا يقف ضده ويدين نهجه الإرهابي  وسياسته العدوانية .

انتهى المجلس بتوزيع التعليمات المعدة من الخنزير وحلفائه والتي تقضي :

 بفرض حصار مشدد على الكبش ، وبناء سور مرتفع حول مزرعته ، وإرسال الخنزير بدعم من الذئب والقرد بقوة ضاربة من جحافل الخنازير وأحلافهم ، ترابط في مزارع الخراف الجرباء المحيطة بمزرعة الكبش ، لتمنع الكبش من  اختراق الحصار أو التوسع خارج مزرعته ، وتحمي مزارع الخراف الجرباء من بطشه وإرهابه ! .       

  حاول الكبش تأ كيد طمأنة أشقائه الخراف وأنه لا يبيت لهم أمرا ، ولا ينوي لهم شرا ، وكل هدفه تحرير مزارعهم المغتصبة من القرد وسيده الخنزير ، ولكن عبثا فهو يتكلم مع خراف صودرت إرادتها ، وطمس على بصرها ، وغيب عقلها ، وحجبت بصيرتها ، وتولى عدوها تسيير أمورها ، بطاعتها راضية أو رغما عنها .   

 وقع الكبش في ضائقة عسيرة  ، وصراع داخلي مرير ، وحصار مشدد ضيق عليه الخناق ، وعقّد عليه المهمة ، وأغلق عليه أبواب الإنفراج من هذا الحصار الظالم ، لكن أشد ما آلمه استخدام الخنزير مزارع أشقائه الخراف لحصاره ، والتضييق عليه وتهديد أمن مزرعته وأمن أبنائه  .

وقع الكبش في حيرة من أمره فهو بين خيارين في كليهما قساوة ومرارة  ، وتعترضه عقبات ومنغصات كثيرة ، فإما أن يهاجم القرد والخنزير بمفرده لخرق هذا الحصار الظالم ، وهو يعلم ما ينطوي عليه هذا الأمر من مغامرة خطيرة لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها وما تستقر عليه الأمور بعدها ، وإما أن يصبر على الظلم ومعاناة الحصار مستفيدا من تحويل الزمن إلى صالحه ، مما يقوم به من توعية أشقائه الخراف بحقيقة ما يجري ، وتسليط الأنظار والرأي العام لحيوانات الغابة على الظلم والمعاناة والجوع ، والآثار الصحية والنفسية والإجتماعية التي تطال أبناءه ، وما يتجشم إزاء ذلك من ألم وصبر وتصبر ومعاناة إلى أن يأذن الله بفرج من عنده .

 عكف الكبش على تقوية نفسه بما يملك من وسائل ذاتية ، معتمدا على أبنائه الخلص ، ومستفيدا من موارد مزرعته الوفيرة ، وتحرك لكسر الحصار عبر إخوانه وأشقائه الخراف الواعين منهم والأباة ، الرافضين لهذا الحصارالظالم والتدخل في شؤونهم من الخنزير وحلفائه .

بدأت تسمع همهة هنا وهناك ، ثم ارتفعت هذه الهمهمات إلى أصوات إحتجاج داخل مزارع الخراف الجلحاء على ما يرونه من حصار ظالم لمزرعة الكبش الأقرن ، وما يلمسون من سكوت وخنوع من قادتهم ، وتعاون بعضهم في هذا الحصار مع القرد والخنزير ضد مزرعة شقيقهم الكبش الأقرن ، بل إن الأمر وصل إلى حد التآمر من بعض قيادات الخراف الجلحاء على مزرعة الكبش الأقرن ، بدفع وتحريض من القرد والخنزير ، إن لم يكن بتعليمات حازمة وأوامر صارمة لإجبارهم على ذلك .

كان الحصار على مزرعة الكبش الأقرن وأبنائه قاسيا ومريرا ، لكن ذلك لم يفت من عضده ، أو يوهن من عزيمته ، بل زاده ذلك قوة وإيمانا وتصميما على المضي في طريقه ، فإنها معركة فناء أو وجود ، ومما زاده صلابة وعزيمة ما يراه من تحمل أبنائه وصبرهم واحتسابهم في جميع معاناتهم ، فهؤلاء الظلمة المعتدون ، والمتعاونون معهم والمتآمرون ، والصامتون والخانعون ، يجمعهم جميعا الباطل والظلم ، أفليس الأحرى بأصحاب الحق التجمل بالصبر والتحلي بالثبات على المبدأ ، والفخر بالدفاع عن الدين والأرض والعرض .

 فإنهم أصحاب قضية ، وأولئك لا قضية لهم ، وما هم إلا أصحاب مصالح ظالمة وأهداف غير مشروعة .

وهم أصحاب أرض وحق ، وأولئك مغتصبون وأهل باطل .

علت أصوات الإحتجاجات وارتفعت وتيرتها في مزارع الخرفان الجلحاء ، تضامنا مع إخوانهم أبناء مزرعة الكبش الأقرن ، وهم يشاهدون أشقاءهم  يقاسون الأمرين جراء هذا الحصار الظالم ، والحواجز الخرسانية والفولاذية ، التي شيدت بينهم وبين أشقائهم ، وأصبح المناداة بفك الحصار ، ودك الحواجز والأسوار ، والدعوة إلى طرد جحافل القردة والخنازير من مزارعهم ، تتردد على ألسنة الأباة والأحرار في مزارع الخراف الجلحاء ، بل تعدى الأمر في ذلك إلى انتشار ظاهرة الخراف القرناء في أوساطهم ، رغم قوانين المزرعة وتعليمات القردة والخنازير بقص القرون وخلعها  ، وعزل تلك الخرفان المتطرفة في اسطبلات خاصة ، وفي زوايا مهجورة ونائية ، ووضعهم تحت المراقبة الخاصة ، إلا أن كل هذه الإجراءات لم تجد نفعا ، أو تثمر بالحد من أصوات الإحتجاجات ،أوخفض وتيرتها ، وإنما زادت المطالب بفك الحصار ، وطرد أبناء القردة والخنازير من مزارعها  .

بدأ الكبش بإرسال طلائع خرفانه الباسلة ، للتعرض .... والمناوشة .... والقيام بعمل غارات وكمائن على جحافل القردة والخنازير الذين يطوقون مزرعته ، مما أثار الحماس في  نفوس الخراف التي نبتت قرونها في مزارع أشقائه المجاورة ، فبدأت تتسلل من مزارعها إلى مزرعة الكبش الأقرن  ، لمساعدة أشقانها ومشاركتهم في التصدي لجحافل القردة والخنازير .

وقع هؤلاء القادة  في حيرة من أمرهم ، وهم يعانون من هذه الإحتجاجات والغليان الشعبي في أوساط الخراف داخل مزارعهم ، مما ينذر بانتفاضة عارمة قد تطيح بهم ، وتزلزل إسطبلاتهم الواسعة المكيفة ، وربما تغير واقع الحال ، و تقلب الأمر فوق رؤوسهم .

دب الخلاف ، وتعددت وجهات النظر، وتباعدت الآراء بين قادة الخراف الجلحاء ، وظهرت بعض أصوات التمرد الخفي ضد تعليمات القردة والخنازير، بل وربما طفا بعضها على السطح ، أو جاهر بعضهم بهذا العصيان  وأعلن تضامنه مع  أبناء الكبش ، منددا بالحصارالظالم وآثاره المدمرة على أشقائه  .

 وأخيرا وجد قادة الخراف الجلحاء أنفسهم في النهاية بين أمرين لا ثالث لهما :

-  إما أن يستمروا في نهجهم السابق وتنفيذ تعليمات القردة والخنازير ، والإستعانة بهم على قمع شعوبهم  من الخراف الهائجة والمحتجة على هذا الحصار الظالم المطبق على أشقائهم ، آخذين بعين الإعتبار ما يحسون به من  بوادر النذر بانتفاضة عارمة  قد تعم مزارعهم وتجتاحهم ،  وهذه مغامرة لا تحمد عقباها ، ناهيك على ما في هذا الخيار من نذالة وعمالة ، واستعانة بالعدوالأجنبي على ظلم أشقائهم ، بل وأبناء مزرعتهم .

-  وإما أن يراجعوا حساباتهم ، ويثوبواإلى رشدهم ، ويصلحوا أمرهم مع خرافهم ، ويكسروا الحصار عن أشقائهم ، ويتحدوا مع الكبش الأقرن ، ليطردوا القرد ة والخنارير من مزارعهم المغتصبة .

 وهاهي الفرصة قد أتت إليهم على طبق من ذهب ، ليتمردوا على سياسة العبودية والخنوع ، ويتحرروا من ربقة الذل ، وسطوة الظلم ، التي يذوقون مرارتها ، ويسامون خسفها ، ويكتوون بنارها ، من قبل القردة والخنازير وأشياعهم صباح مساء . 

شهقت  سندس بزفرة طويلة وأخرجت نفسا عميقا تتحسر بعد ساعة من الصمت الطويل  والمتابعة  وهي تقول : إنها قصة حزينة يا جدي .

- ولكنها معبرة وهادفة يا عزيزتي الغالية .

وقالت سلسبيل : أعدمت الرأفة والرحمة إلى هذه الدرجة يا جدي ؟

- أنسيت أنها شريعة الخنزير يا عزيزتي الحلوة ؟

سألت سلسبيل بتأثر ولهفة بالغة : وكيف ستكون النهاية في رأيك يا جدي ؟

- إني متفائل بالنتيجة يا حفيدتي الغالية ، وكلي أمل بأن قادة الخراف سيعودون إلى طبيعتهم وفطرتهم ، وسيصطلحون مع شعوبهم ، ويتحدون  مع بعضهم ، ويعملون بيد واحدة وقلب واحد ، لكسر الحصار ، وتحرير مزارعهم  المغتصبة ،  وطرد القردة والخنازير إلى موطنهم الأصلي وراء النهر وخلف البحر .

  رفعت سندس وسلسبيل كفاهما الصغيرتان إلى السماء وهما تلهجان بالدعاء معا بعيون دامعة  وصوت واحد : آمين يا رب ... عاجلا غير آجل .