شهيد الهجرة والرحيل

عادل أحمد زعرب

[email protected]

تمتزج صورة الماضي بواقع اليوم في ذاكرة الحاج الصرفندي ابن الستين عاماً الذي هاجر وهو طفل في الخامسة من عمره من بلدته الأصلية "يبنا" ، ليستقر به الحال في أحد مخيمات اللجوء في رفح ، تمتزج الصورة وهو يشاهد الجرافات والدبابات الإسرائيلية تحيط بمنزله من كل النواحي بعد أن فرغت من المنازل المجاورة .

وبين مشهد اللجوء تحت إرهاب العصابات الصهيونية التي عرفت فيما بعد بجيش الاحتلال ، ومشهد التدمير الآن الذي يقتلعه من منزله مع أفراد أسرته ويلقي بهم إلى العراء .

فلم يعد هناك مكان يمكن أن يهاجر له من جديد ، تزاحمت الصور والمشاهد في ذاكرة الصرفندي ، ولم يعد يدرك ما يدور من حوله ، وكأنه فقد إحساسه بالزمان والمكان ، وكأنه لا يدرك ما يدور حوله ، لكن في الذاكرة قطعة القماش التي كان يحتمي بها المهاجرين من عدوانية اليهود في عام 1948م .

فجأة قفز هذا المشهد لذاكرته ، فتلفت من حوله وأخرج رأسه من نافذة البيت رافعاً قطعة القماش البيضاء في وجه الجرافة والدبابة الزاحفة على بيته ، ظناً أن ذلك ربما يستثير إنسانيتهم ، ويتوقفون عن مهاجمة منزله ، لكن الوقت كان قد أزف ، والمحتلين الصهاينة ماتت قلوبهم وإنسانيتهم ، وعميت أبصارهم ، فعجلوا الخطى ، وما هي إلا لحظات حتى كان البيت يتهاوى فوق جسد الصرفندي الذي كان يستصرخ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المنزل قبل الرحيل الأخير .

وظل الصرفندي ينادي ويصرخ ، وينزف ساعات تحت أنقاض منزله دون أن يستطيع أحد الوصول إليه بسبب قوات الاحتلال الجاثمة في المكان .

وحينما نجح بعض الشباب من التسلل والوصول لركام المنزل وإخراجه من تحت الأنقاض ، كان الوقت قد أزف ، والحياة ودعته إلى غير رجعة ، وتعانقت روحه مع أرواح الشهداء ليسجل شهيد اللجوء والرحيل .

 

* كتبت هذه القصة من وحي معاناة أبناء شعبنا الفلسطيني عن حياة الشهيد محمد الصرفندي من سكان مخيم يبنا برفح .