السنديانة
يوسف حامد أبو صعيليك
العودة
ألقى رحاله ، واحتضن جدران القرية ، وقبل الثرى الذي جففه الحريق من الندى ، كانت الشقوق تحتل الأمكنة ، وتتسع بطونها لتشكل أخاديد تلتهم الفراغ ، الرائحة العتيقة بدأ يشوبها التغير ......... لوثة من اغتراب .
لما احتضنته الدار ، سادت رائحة العفونة ، وزار القبرين ،........ وبكى .
الغريب
تشابكت أغصان الزيتون ، وبدأ الدجى يكسو الحقل ، وبدأ يتلمس صمت الأشجار المريب .
قطبت الشجرة الكبيرة جبينها :
- غبار الوحشة يسكنك يا ولدي ، غريب الدار أنت ؟.
- أنا السندباد العائد يا أمي ، أما عرفتني ؟.
وصمتت الشجرة .
صاح بدهشة :
- أوتنكر الدار بنيها ؟!.
وأسبلت الزيتونة جفنيها .
لماذا
تساءل من قبل :
- لماذا ؟.
وصاحوا به :
- ما شأنك أنت .
وصرخ :
- ابن الدار يسأل عن وحشتها ، فما بالكم غضبتم ؟.
- انصرف لشأنك ودعك من وحشة القرية .
ولما لم يجد شيئاً ، انطلق يجوب الآفاق .
الأبله
وشاع النبأ في القرية :
- عاد الأبله .
فكر أحدهم بصوت مسموع :
- هل ما زال يحتفظ بعادته الغبية ؟.
ورد أحدهم :
- ويح له إن كبرت لماذاه .
- والله لن يسكت الأرباب هذه المرة .
صاح ثالثهم .
واختبأ الجميع خلف الأبواب .
فأتبعوا رأسه اللسان
- كل شيء إلا هذا ، إن صمتنا فلسوف تكون العدوى ، .... والويل لكم بعدها ، ....... السندباد خطر محيق بالوطن ، اللماذا ستكشف الحجب ، وبعدها سيكون الانهيار .
وجلس السيد يجفف العرق الذي بلل وجهه وجبينه
عقَّبَ النائب :
- الصواب في صفك يا سيدي ، لا بد من جلبه لإسكاته أو ......... فأتبع الرأس اللسان .
المحاكمة
جلس القضاة متحفزين ، وبدأ السؤال:
- لماذا تبحث عن المشاكل ؟.
أجاب بهدوء :
- أنا أبحث عن إجابة للماذا .
- هذه اللماذا دودة ستنخر إلى أن تصل إلى عنقك .
- ليكن .
- إنك بهذا تصنع الغوغاء .
- القرية تعاني من الوحشة ، لماذا هي غريبة ؟.
صرخ القاضي :
- من أنت ؟ ، قل لي من أنت لاتسأل هذا السؤال ؟، ما أنت إلا عبد آبق ، أبوك الرقيق مال بيت المال ، وأمك الثكلى أمة ، أنت قنٌ يجب أن يعمل بصمت فحسب ، وإلا فالعصا للعبيد .
صرخ بتحدٍ :
- أنا سنديانة يا سيدي ، ولست عبداً .
- اخرس ، من وهبك حق المواطَنَة ؟.
- مولدي هنا .
- ولدتَ لتكون " نعم" فحسب .
وجاء الحكم :
- النفي الأبدي أو الموت ، أيهما فاختر ، انطق الآن .
- اخترت القرية .......
قال بحزن .
السنديانة
وذهب في الليلة الأخيرة ليعانق السنديان ، وتلمسها طويلاً ولم يكن هناك سوى الصمت يداعب عناقه.
عند الفجر أشفقت السنديانة الكبيرة لأنينه ، مدت ذراعيها وضمته إلى صدرها .
ولما أرسلت الشمس بناتها إلى الحقل في الصباح لتغسل الأشجار اصطدمت بشجرتي سنديان ضخمتين .