رَقْصَةُ.. قَلْبْ..

محسن عبد المعطي عبد ربه

محسن عبد المعطي عبد ربه

[email protected]

مَا إِنْ دَخَلَ الْبَيْتَ حَتَّى أَخْبَرَتْهُ ابْنَتُهُ بِأَنَّ سَاعِيَ الْبَرِيدِ قَدْ أَتَى وَتَرَكَ لَهُ رِسَالَةً مُفَادُهَا أَنَّ لَهُ خِطَاباً مُسَجَّلاً بِمَكْتَبِ الْبَرِيدْ وَأَنْ لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ تَسَلُّمَهُ إِلَّا هُو .

يَا لَهُ مِنْ خِطَابٍ رَائِعْ!!!

رَقَصَ قَلْبُهُ بَيْنَ ضُلُوعِهْ !!!

وَحَقَّ لَهُ أَنْ يَرْقُصْ..لِسَبَبَيْنِ هَامَّيْنْ:

اَلسَبَبُ الْأَوَّلْ:أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ يَحْتَوِي عَلَى حِوَالَةٍ مَالِيَّةْ..وَهُوَ شَيْءٌ يُسْعِدُ الْقَلْبَ الْحَزِينْ..فِي زَمَنٍ أَصْبَحَ فِيهِ هَمُّ النَّاسِ الْأَوَّلْ هُوَ الْمَادَّةْ .

اَلسَبَبُ الثَّانِي الَّذِي رُبَّمَا أَنْ يَكُونَ أَهَمَّ مِنَ اَلسَبَبِ الْأَوَّلْ:أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ إِنَّمَا يُؤَكِّدُ فَوْزَهُ فِي إِحْدَى الْمُسَابَقَاتِ الْأَدَبِيَّةْ..وَنَشْرَ عَمَلِهِ الْفَائِزِ فِي جَمِيعِ دُوَلِ الْعَالَمْ..مِمَّا يُحَقِّقُ لَهُ مَجْداً أَدَبِيًّا طَالَمَا اسْتَقَاهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهْ:

مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ=عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ

وَقَدْرُ كُلِّ امرئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ=وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَداً=اَلنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ

وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ إِلَى مَكْتَبِ الْبَرِيدِ مُحَدِّثاً نَفْسَهُ عَنْ آمَالِهِ وَطُمُوحَاتِهِ وَتَطَلُّعَاتِهِ الْأَدَبِيَّةِ وَالْمَادِيَّةْ..وَمَا إِنْ وَصَلَ مَكْتَبَ الْبَرِيدِ حَتَّى سَأَلَ مُوَظَّفِيهِ عَنِ الْخِطَابِ الْمُرْتَقَبْ .

وَيُخْبِرُهُ مُوَظَّفُو مَكْتَبِ الْبَرِيدِ بِالْإِجْمَاعْ.. بِأَنَّ سَاعِيَ الْبَرِيدِ مَا زَالَ يُوَزِّعُ الْخِطَابَاتْ..وَأَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرْ .

رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ وَبَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ تَنَاوَلَ نِصْفَ وَجْبَةِ الْغَذَاءْ وَأَسْرَعَ بِالْعَوْدَةِ إِلَى مَكْتَبِ الْبَرِيدِ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ سَاعِي الْبَرِيدِ إِلَى بَيْتِهْ .

وَيُخْبِرُهُ مُوَظَّفُو مَكْتَبِ الْبَرِيدِ بِالْإِجْمَاعْ.. بِأَنَّ سَاعِيَ الْبَرِيدِ مَا زَالَ يُوَزِّعُ الْخِطَابَاتْ..فَجَلَسَ أَمَامَ مَكْتَبِ الْبَرِيدِ يَنْتَظِرُهْ ..وَجَلَسَ مَعَهُ الْأُسْتَاذْ عَادِلْ وَأَخَذَا يَتَحَدَّثَانِ عَنْ ذِكْرَيَاتِ الْبَرِيدِ مَعَهُمْ مِنَ الْقَدِيمِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا وَاشْتَرَكَ مَعَهُمْ فِي الْحَدِيثِ رَجُلٌ ثَالِثْ فَتَحَدَّثُوا عِنْ شَهَامَةِ وَمُرُوءَةِ بَعْضِ الْأَطِبَّاءْ..مَعَ الْمَرْضَى الْمُحْتَاجِينْ..وَأَنَّ أَحَدَهُمْ وَلَّدَ امْرَأَةً مَجَّاناً وَأَعْطَاهَا النُّقُودَ لِتَشْتَرِيَ الدَّوَاءْ..وَأَعَادَهَا إِلَى بَيْتِهَا بِعَرَبَتِهِ الْخَاصَّةْ .

وَبَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ الشَّيِّقِ وَالْمُمْتِعْ..هَلَّ سَاعِيَ الْبَرِيدِ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنِ الْخِطَابْ فَقَالَ لَهُ سَاعِيَ الْبَرِيدْ:اِنْتَظِرْ بُرْهَةً مِنَ الْوَقْتْ..وَدَخَلَ سَاعِيَ الْبَرِيدِ مَكْتَبَ الْبَرِيدِ وَخَرَجْ..ثُمَّ سَلَّمَ الرَّجُلَ الْخِطَابْ..فَطَوَاهُ وَوَضَعَهُ فِي جَيْبِهِ عَائِداً إِلَى بَيْتِهِ سَعِيداً .

وَفِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ اسْتَوْقَفَهُ صَدِيقُهُ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهْ .

بَعْدَهَا وَضَعَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ فَلَمْ يَجِدِ الْخِطَابْ ..

فَرَجَعَ مِنْ نَفْسِ الطَّرِيقْ..لَعَلَّهُ يَجِدُ الْخِطَابَ الْمَفْقُودْ .

كَانَ الْيَومُ يَوْمَ سُوقْ..وَمِنْ حُسْنِ الْحَظْ ..أَنَّهُ وَجَدَ الْخِطَابَ مَرْمِيًّا عَلَى الْأَرْضْ..وَكَادَتِ امْرَأَةٌ تَدُوسُ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَسْتَرْعِيَ انْتِبَاهَهَا .

اِلْتَقَطَ الْخِطَابَ مِنْ عَلَى الْأَرْضِ وَفَتَحَهُ حَامِداً رَبَّهُ وَوَجَدَ الْجَائِزَةْ.