إلى فتى ربيته

إلى فتى ربيته

لبنى ياسين

[email protected]

كانت العجوز تكتب و أصابعها ترتعش , بدت كمن يسطر الحروف على روحه  و يخطها بدموعه, تلك الرسالة كانت لوحيدها الذي لم تره منذ شهرين و اكثر, خاطبته تستجدي حبه و شوقه كانت تكتب له:

أنت لا تصدقني , اعلم انك تعتقد أنني لا أقول الحقيقة , زوجتك تذرف الدموع بسرعة مدهشة تمهر بها مبالغاتها و ما تفتريه علي , صدقني يا بني ما أخطأت معها , كل ما قلته لها أن عليها أن لا تطعم صغيرها كما يحلو له من الحلوى قبل الطعام فهو لن يأكل على الغذاء فانفجرت بي بغضب لم افهم سببه حتى الآن و قالت : دعي أمور ابني لي هل ستعلمينني كيف أربيه أيضا ؟؟

هل تعتقد أني أبخل بالحلوى على هنود حبيب قلبي , كل الأمر اني أردته أن يأكل بشهية على الغذاء , قلت لها لا يا بنتي إلا انهم يقولون في المثل : اكبر منك بيوم اعلم بسنة , فقاطعتني : إذا تعتقدين أني جاهلة و لا افهم شيئا , و الله يا بني اني ما وصفتها بكلمة مما ذكرتْ كان المثل آخر ما تفوهتُ به و تولتْ هي البقية حتى أتيت , اعلم إنها لا تريد العيش معي في نفس البيت و لكن البيت كبير و في منطقة راقية هل ستجدون افضل منه , عد يا حبيبي أقنعها تحدث معها و أنا لن أتدخل بها مطلقا لن أحدثها إلا  بتحية الصباح و المساء و الزم غرفتي غالب الوقت , يزعجني أن أراك تستأجر منزل في حي رخيص لن ترتاح فيه و أنا في منزل كبير وحدي , هذا المنزل الذي قضينا به اجمل و اتعس لحظات حياتنا , سطرنا على كل بلاطة من بلاطاته ذكرى يوم من عمرنا , ألا تريد أن تشاطرني أيامي الأخيرة فيه  ؟؟!!.

 محمود يسلم عليك , ابن جيراننا الذي كان معك بالمدرسة , يمر بي كل يوم سائلا إذا كنت أريد أن يجلب لي أي شئ من السوق , و يسامرني على الباب , حتى انه يناديني أمي و يقول انه ما رأى أمتع من حديثي , طلب الي أن أعطيه عنوانك و قلت بما انه سيزورك سأرسل لك معه هذه الرسالة , كم أتمنى يا بني أن افتح الباب لاجدك و أسرتك خلفه ...

دق جرس الباب فقطع حوار العجوز مع الورق , تركت القلم جانبا و اتجهت إلى الباب بسرعة و فتحته راجية أن تكون أمنيتها قد تحققت بهذه السرعة  فطالعها وجه رجل غريب بادرها : مرحبا

ـ أهلا

ـ هل أنت كريمة النحاس .

ـ نعم ...عفوا يا بني و لكن من أنت؟؟

ـ أنا ساعي البريد...

ـ أهلا بك ... لقد ظننت ابني جاء أخيرا فقد اشتقت له , للرجال قلوب قاسية .

نظر الشاب مشفقا عليها و قال : هل تعرفين القراءة يا خالة ؟

أجابت بفخر : خالتك أم نبيل درست السرتفيكا , انه يعادل صف التاسع هذه الأيام ... و لكن شتان بينهما , الدراسة على زمانكم يا بني ضحلة , لا ثقافة فيها مجرد صف حروف على الورق ,أتعلم إنني أتحدث الفرنسية بطلاقة , و تكلمت بسرعة بضع جمل بالفرنسية , فابتسم الشاب .

هل تعزف الموسيقى ؟؟ و لم تنتظر إجابته ...فتابعت: خالتك أم نبيل تجيد العزف على العود ... الله يرحم أيام زمان كنا نجتمع أنا و صديقاتي و جاراتي بعد ذهاب أزواجنا إلى العمل و إنهاء أعمالنا المنزلية  فاعزف لهن و تغني أم احمد رحمة الله عليها بصوتها العذب , و الله يا بني انتم مساكين ... لا تعرفون ما معني السعادة . ثم استطردت :

هل تحفظ الشعر؟؟

أجاب قليلا ..

هل تعلم أنى احفظ اكثر من ألف بيت نصفها من ألفية الشافعي ؟؟

و أخذت تردد له أبياتا مختلفة من الشعر .

اندمج الشاب بالحديث معها و نسي الأمر الذي جاء من أجله , كانت العجوز خفيفة الدم حاضرة الذهن متقدة الذكاء , علاوة على ذلك كان من الواضح تماما كم هي لطيفة .

قالت له : هل تعرف يا روح خالتك لو أن أبي تركني اكمل دراستي كنت أصبحت طبيبة لكن الناس أكلت وجهه حتى أكملت السرتفيكا , و الله انه اقتلعني من المدرسة كما يقتلع ضرسه كان موجوعا اكثر مني.

ثم حانت من العجوز التفاته إلى الأوراق التي بين يديه فقالت : لم تقل لي لماذا شرفتنا بزيارتك يا بني ؟؟

قال الشاب و هو يختنق بكلماته : كنت أريدك أن تستلمي هذا التبليغ و توقعي لي على الاستلام .

نظرت المرأة إلى الورقة التي عليها استلامها  ... كانت تبليغا من المحكمة من أجل حضور جلسة لدعوة أ أقامها عليها ابنها الوحيد للحجر على ممتلكاتها بسبب عدم أهليتها العقلية .