لم أعد وحيدة !

لم أعد وحيدة !

نور الجندلي

[email protected]

أولُ مرّة أتنبّهُ لقبحها ، وهي تتربّعُ بحرّية كبيرة على جبيني ، تحتلُّ منه مكاناً بارزاً ينفّرُ الناسَ مني ، وقد كنتُ في الأيامِ السالفة أظنُّها من سماتِ الهيبة والقوة في شخصي ، لكن .. وللأسف ، هي في الحقيقة من أكبر معالمِ ضعفي ..
الآن عرفتُ لم بقيتُ طيلة هذه السنواتِ في مدرستي وحيدة ، ( المعلمة وحيدة ) ! بهذا اللقب كنتُ أترنم بحزن بيني وبين نفسي ..
الآن عرفتُ لمَ لمْ أكوّن صداقاتٍ ، ولمْ أحظَ بشعبيّة رغمَ نشاطي وقوة شخصيتي ..
ليسَ السبب غيرة المعلماتِ من نجاحاتي ، ولا انعدامُ الذوقِ عند الطالباتِ !
إنه عبوسي الدائم ، واختفاء ابتسامتي ..
اكتشفتُ مشكلتي اليوم عندما أتت إليّ طالبتي المتفوقة ريما ، بين يديها طاقة ورود كبيرة ، وقدّمتها لي هديّة ، وقالت .. أنتِ جميلة يا معلمتي !
وقفتُ دقيقة صامتة ، ذاهلةً عن نفسي ، هل تراني حقاً جميلة ؟ وازداد عبوسي .. لم أشكرها حتى .. بقيتُ غارقة في أفكاري ..
أيقظني منها جسم صغير يشدني من ثوبي ..
آه .. إنها ليلى في الصفّ الأول ، ماذا تريد !
-
ماذا تريدين يا بنيتي ؟
قالت غاضبة : - لم عبستِ في وجه ريما ؟ لقد كانت ورودها جميلة ! هل أنتِ غاضبة منها ؟ لقد قطفت لك الورود بنفسها .... لأنها تحبك !
ما أقساها من صفعة ! تلك التي تلقيتها على يد تلكَ الصغيرة ..
لملمتُ آلامي ، وقد تضخمت في داخلي إلى حدٍّ غير معقول ..
عدتُ إلى بيتي .. إلى غرفتي .. إلى مرآتي ..
نظرتُ إلى العقدة ، تحسستها ، إنها بارزة ، متمردة على كلّ شيء ..
إنها تنطق ، نعم تنطق ، بآلام تجرعتها في طفولتي ، بأحزاني ، بوحدتي ..
ولكن إلى متى ستنتصرُ عليّ وتفرضُ نفسها ، إلى متى تنفر الناس مني ؟!
سأمسحها من قلبي أولاً ، ومن وجهي آخراً ، ومن ذاكرة الناس أيضاً ..
سأخفيها ، سأسجنها كما سجنتني ..
لمَ لا أستبدلها ببسمة ؟ ولدي قلب نابضً بالحبِّ ، دافئ كشمسِ نيسان ، لمَ لا أفتحهُ فأحِبُّ وأُحَبُّ ؟
ليتَ كلّ الطالبات كنَّ ريما ...كي يرينني بعيون القلب ..
بكيتُ ليلتها بأسى كما لم أبكِ من قبل ..
طلعت شمس الصباح ، لتجفف بقايا دموعٍ خلفتها الليلة الماضية ..
اوّلُ مرَّة ألحظ جمال الشروق .. وأتوسم في المستقبل جمال حياة ..
هرولتُ باسمة – أخيراً – إلى مدرستي ، إلى طالباتي ، إلى ريما
ناديتها ، عانقتها بحبٍّ وشكرتها ..
نظرتُ في عينيها ، لقد كانت تبتسم بفرح ..
والأهم .. لم تلحظ العقدة .. لم تحدّق بها ..
لا بد وأنها زالت ..
وأنا .............
لم أعُد وحيدة !