أنا هدى يا أبي

أنا هدى يا أبي

بقلم: ماجدولين الرفاعي

هذه القصة مهداة الى روح الشابة هدى ابوعسلي والتي ذهبت ضحية التخلف ونظرية القتل بداعي الشرف فقد قتلها اخوها لانها تزوجت من خارج الطائفة

أنا هدى يا أبي..!

عندما دخلت المدرسة الابتدائية ولبست زي المدرسة لأول مرة وضعت لي والدتي شرائط حمراء أضفت على وجهي الطفو لي براءة أخرى الكل حولي فرحين بي وكأنني أغادر إلى الجامعة طفلتهم المدللة أنا. حدثني جدي عن فرح والدي الكبير حين أعلنت القابلة عن وصولي إلى الحياة بصرخات مكتومة لم يكن احد يعلم أسباب صراخي بتلك لطريقة جميع الأطفال يولدون بأصوات مرتفعة وصراخ يعلن بدء حياتهم إلا أنا فقد ولدت بصوت مكتوم.

رغم بعض الخلافات معي أخوتي إلا أن علاقتنا كانت جد رائعة لم يعترض احدهم يوما على ملابسي ولكنهم اخذوا يضيقون علي الخروج حينما دخلت المدرسة الإعدادية معربين عن قلقهم وخوفهم على فتاة كبيرة وملفتة للنظر –حسب أقوالهم-وصدقا أقول لم أكن أدرك مما يخاف أهلي فلم ألاحظ في الحياة ما يخيف ولم أرى أي ذئاب تعترضي أحببت الحياة بشكل كبير ضحكتي لم تكن تفارق شفاهي يقولون عني طفلة بريئة رغم أني دخلت الجامعة.زملائي في الجامعة رائعين بشكل كبير كنا نلتقي في المحاضرات وبعدها نجلس لمناقشة ما جاء فيها وكثيرا ما كنا ننتقد أستاذ المادة ونقلد كلامه ومشيته ونقهقه ضاحكين, الحياة لنا والمستقبل ملكنا أو هكذا خيل لنا اقرب الزملاء لي كان شاب من مدينة حلب اسمه نضال طيب معي جدا صوته منخفض وجهه حين تكسوه الحمرة يعبر عن حجم خجل صاحبه.

نضال شاب لطيف جدا خجول ومهذب ملتزم بدراسته وحراستي في البداية لم أكن افهم ما معنى أن يلازمني زميل لأنني ما جربت الحب يوما ولم أواجهه حقا إلا عندما وضع نضال مظروف ازرق صغير داخل كراستي الجامعية قبل إن أغادر إلى البيت, احترت وأنا اتامله ترى ماذا كتب لي نضال ؟؟

وخجلت من فتحه في السرفيس ولكن لم أكد ادخل غرفتي حتى مزقت المظروف وفتحت الورقة التي اكتشفت أنها رسالة يعبر لي فيها نضال عن حبه الكبير لي حقيقة ارتعش قلبي ارتعاش لذيذ لم اشعر بها قبلا أحقا يا نضال تحبني من زمن طويل وأنت صامت ؟

ما أنبل أخلاقك لما لم تصارحني ؟ليتني أستطيع وصف مشاعري في تلك اللحظة, يولد الحب في القلب فجأة كلمح البصر أحببته نعم اعترف لكم أنني أحببته حبنا نقي طاهر كطهارة طفل رضيع في أحضان أمه التقيته مرات عدة في كفتريا قرب الجامعة حلمنا كثيرا وخططنا لمستقبل رائع كنا ندرك رفض المجتمع لحبنا ولارتباطنا بالزواج, عفوا نسيت أن أقول أنني من السويداء من الطائفة الدرزية بينما حبيبي نضال كردي سني ولكن متى فهم الحب تلك التقسيمات؟

الحب لا يعرف سني ولا شيعي مسلم أو مسيحي يتسلل الحب إلى القلوب بنبل وطهارة لا يقصد إيذاء احد أو الإساءة إليه توقعت أن يتفهم أهلي تلك المسالة إذ طالما رددوا أنهم يريدون سعادتي رفض نضال أن تكون علاقتنا في السر فقرر مصارحة والدي وخطبتي منهم بطريقة رسمية مرددا انه يريد دخول البيوت من أبوابها لعل الله يقف معنا ويوافقوا لكن دموع نضال أبت أن تنهمر حين طرده والدي بسيل من الشتائم وتهديده بالقتل إن كلمني مرة أخرى ليتحول ذهابي إلى الجامعة إلى جحيم لا يطاق: أراه من بعيد ولا أجرؤ على محادثته!

أصاب الهزال والضعف جسد نضال وقرر إرسال عدد كبير من رجال قريته ليتوسطوا له عند والدي لكنه رفض بشدة ناعتا حبيبي بأوصاف لاتمت له بصلة.

لم تؤلمني الصفعات التي انهالت على وجهي حين غادر الرجال ولا سيل الشتائم التي وصفتني بالفتاة المنحلة الساقطة لا ادري لما لم اشعر بالألم!!!! ربما لأنني حسمت أمري أخيرا سأتزوج من حبيبي إنها حياتي ولن تتكرر مرة أخرى بالإضافة الى انني لم أخطئ بشيء حبي لنضال طاهر جدا.

فرحه كان اكبر من الوصف حين رددت أمام كاتب المحكمة: زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله, سافرنا بعدها للسكن في ضاحية بعيدة عن دمشق خوفا من أن تصلنا يد والدي وأخوتي الذين ثارت ثائرتهم لزواجي وهددوا بقتلي أرعبني التهديد وسرق النوم من عيني وباتت الدموع غذائي اليومي مسكين نضال حاول التخفيف عني دون فائدة وقرر أخيرا إرسال بعض شيوخ عشيرته للمصالحة وإنهاء المشكلة طالما الزواج تم بطريقة قانونية شرعية.

 مااسعدني وأنا اسمع خبر موافقة أبي على استقبالي وقد وعد الجميع بعدم الإساءة لي. لبست أفضل ملابسي فستان ابيض قصير وحذاء من نفس اللون هدية حبيبي نضال في يوم زواجنا وتخيلت والدي وهو يعانقني سأطلب السماح والمغفرة منه كم احبك ياابي ياااااااااه سأكون في أحضانك مجددا دخلت البيت وشيء من الرهبة تعتريني ولكن الجميع طمئنني بان الأمور بخير اقتربت من أبي نظراته حاقدة ولكن لا وقت للتراجع وبدل من تقبيلي من قبل أخوتي وأبي اللذين التفوا حولي انهالت علي الطعنات وأنا اصرخ:

أنا هدى يا أبي...

أنا هدى طفلتك المدللة وتهوي طعنة أخرى أرجوك يا أبي..... أنا هدى.. لم أكد اعرفهم فقد غير الحقد ملامحهم..

أخوتي..أنا هدى..

الرحمة أمي أنا هدى...

طعنات وأخرى..

أريد الصراخ لكن صوتي خفيض كما يوم ولادتي!

انااااااااااااااااااااا هددددددى...

وغاب صوتي في وديان الحقد والانتقام سمعت أصوات زغاريدهم فرحا بغسل عارهم الذي توهموه.

أنا بريئة يا أبي! كل ما فعلته إنني اخترت شريك حياتي واقترنت به فهل استحق الموت؟!

هاهم الآن يحتفلون بموتي الذي لن يغير من الحقيقة شيئاً!

هل تسمعون صراخي يا نساء العالم؟؟؟؟

أنا هدى.. أوصيكم من هنا من قبري المظلم قولوا لااااااااااااااااااااااااااااااااااااا