إفساد الضمائر
إفساد الضمائر
نجدت الأصفرى
عشت قريبا من احداث هذه القصة أبطالها رجلان احدهما (عبدو) يمت لي يصلة قرابة فقير الحال كونه معلما في مدرسة ابتدائية متزوج من قريبته (امينة) التي تعمل ممرضة في مستشفى حكومي لتساعد زوجها في مصاريف الحياة القاسية خصوصا مع نصف دزينة من الاولاد.
أما الثاني (بطال) فهو عديل الاول متزوجا من الأخت الكبرى (عزة) يعمل في المخابرات – أمن الدولة حيث لا أمن ولا دولة.. انعمت عليه وظيفته بنهر من ذهب وفضة جعله يطوق عنقه ورسغيه بسلاسل وأساور من ذهب.. تجده دائما متأنقا بقميص حريري بألوان فاقعة فتح منه الازرار الثلاث العليا لتكشف عما يلف عنقه من مجوهرات احداها تحمل لوحة كتب عليها
(I love U) ، والثانية تحمل لوحة كتب عليها (ما شاء الله) ويطوي اكمامه ليظهر ما فيهما من اساور.
اسفل القميص بنطلونا عفني اللون ضيقا ينتهي الى جوارب بيضاء وحذاء يشع لمعانا كأنه يلبسه لأول مرة ويمتاز بكعب عال وبوز رفيع وطويل.
كان كلما زار عديله الفقير لا يكف عن التعليق الجارح يبدؤوه بطلبات محرجة.. هل عندكم كرز أبو خط أصفر.. يا سلام ما اطيبه وأزكاه.. بطيخ أناناس متوفر الان في الأسواق بطعم حلو كالعسل وهو بذرة جديدة دخلت السو ق السوري مصدرها امريكا .. اما الجبس الكروي فيذهلني لونه الاحمر الغامق مع حلاوته التي لا مثيل لها.. إنه يبل الريق ويروي العطش.. وعندها تبتسم امينة وتطرق خجلا معتذرة بأنهم هذا الاسبوع لم يذهبوا إلى سوق الهال حيث تتوفر البضائع من النخب الثاني ذات السعر الأرخص وانشالله سنذهب يوم الجمعة القادم.
اما (بطال) فيتابع حديثه بتأنيب مبطن.. متوجها لعبدو.. (يا ولد) انت غاوي فقر.. انت تحب ان تبقى في الحضيض.. يعز عليك ان تفارق قاع الفقر الى حيث النعمة والمتعة.. يبتسم عبدو ويكتفي بهزة رأسه واما هذه المرة فقد زاد: لا احب اذية الاخرين.
انتفض بطال ماذا؟.. واندفع ومن يحب اذى الاخرين.. من قال لك ان تؤذي الاخرين.. ثم خفض صوته والجميع مصغون.. يا اخي اكتب عن الخضار (الخيار البندورة الكوسا) عن المواد التموينية (الخبز السكر الزيت)اكتب عن الأحذية، الملابس .. اكتب اي شيء وافيدك بشيء اخر لا تكتب اسمك اختر لنفسك اسما حركيا لا يعرفه الا انت وانا وكل تقرير تكتبه تاخذ عليه مئة ليرة.. فتح الجميع عيونهم ورفعوا حواجبهم والدهشة بدت على الوجوه كأنها لا تصدق .. مائة ليرة عن كل تقرير؟!!
سألت عزة وكم تقرير عليه ان يكتب في اليوم؟؟ اجاب .. قدر ما يستطيع ولكن انا ارى ان واحدا في اليوم يكفي اليست مائة ليرة كافية فإن 25 أو 30 تقريرا شهريا يجلبان له ثلاث اضعاف راتبه الشهري بدون النكد والجهد والمناكفة مع العجيان (الاطفال) لمدة 26 يوما في الشهر والمدير يؤنبه والمفتش يرعبه واولياء الامور يلومونه.. ولا يرضي احدا واسألي اختك كيف يعود للبيت اخر النهار مرهقا متعبا لا مجال للترفيه او الحديث معه .. سكت برهة ثم عاد: اريد ان اعمل معك معروفا اذا قررت ونويت ان تكتب فاكتب وضع اسمك الحركي وسأمر عليك مساء كل يوم يعد المغرب عندما تكون قد استرحت من صداع الراس الذي يلم بك في صراعك مع القرود والجن وكتبت تقريرك على مهل فاستلمه منك وسوف ادفع لك من جيبي (على الواقف) فورا حتى لا تذهب الى الفرع فيكشفوك وانا سآخذ الفلوس منهم نيابة عنك فهذا ما يتبعه جميع المسؤولين الذين يضمون الى حلقتهم مخبرين جدد.. هل بقي لك بعد هذا حجة او مبرر لعدم تعاونك؟
ردت عزة فورا والله كويس وجيد يا عبدو.. يا اخي شوف ظروفك وظروف معيشتك لا ثلاجة عندك ولا بوتوغاز.. ولا تلفزيون.. في حدا اليوم من النسوان يرضى ان يعيش ولا يزال يطبخ على بابور الكاز.. في حدا ما عنده تلفزيون يتسلى به الكبار والصغار.. الغسالة ضرورية جدا خاصة لامرأة تعمل ليلا نهارا لتسددوا بعض مصاريفكم.
يا اخى اطلع من هذا الجحيم اللى انت فيه..البلد اليوم تغيرت والكل يسعى لتحسين وضعه بزيادة دخله ، قاطعها زوجها ..اتركيه هو حر لايعرف مصلحته ويستفيد من هذا العرض الذى اقدمه له ويستغل وجودى ... ولولا اننى عديله لما عرضت عليه هذا العمل و تحملت هذه المسؤولية .
تدخلت أمينة .. ياعبدو اسمع ماذا يقول لك ، انه ينصحك ويضمن لك ان لا يعرفك احد غيره وكل ما ستتكلم عنه مواد لاتضر ولا تؤذى احد.
تبسم عبدو كأنه وجد حلا يحفظ ماء وجهه واقتنع بأنه سيحقق لنفسه ما يساعده فى تحسين احواله دون ان يعلم اويؤذى احدا. خصوصا ان اسرته الكبيرة وضعته فى وضع مادى لايطاق فلا هو قادر على ايجاد عمل افضل ولايرى فى المستقبل اى امل للفرج مما هم فيه فإثنان من اولاده يتناوبان على حذاء واحد فى تدريبات الفتوة ..... قال عبدو حسنا سوف اجرب وامامك الان.. نزع صفحة من وسط دفتر ابنته الكبرى (شكران) وكتب عليها تقريرا عن البندورة مفاده ان من يبحث الان عنها كمن يبحث عن ابرة فى كومة تبن والمكان الوحيد لوجودها هو الجمعية الاستهلاكية وعليه ممارسة التدافع مع هذا الخضم الكبير من النساء والرجال والاطفال للوصول للامام بلا نظام ولا ترتيب حتى يستطيع بعد جهد جهيد ان يحصل على كيلو واحد معفس ضمن كيس نايلون مملوء سوائل ورائحة البندورة التالفة تزكم الانوف مع ذلك يشعر من حصل عليها كأنه انتصر فى معركة بينما قد فشل غيره.
دفع عبدو التقريرامام الجميع لبطال الذى قرأه ورده اليه ليوقعه يالاسم الحركى الذى يختاره ويضع التاريخ.... فعل عبدو المطلوب ووقع باسم ( مواطن صالح). وقف بطال يبدو عليه زهو الانتصار ودس يده فى جيبه واخرج رزمة من اوراق مالية من فئة المائة ليرة ودفع اليه بواحدة واستدار مع زوجته وغادرا مسرورين بينما بقى عبدو مسمرا فى مكانه مذهولا لم يستيقظ إلا عندما عادت امينة وسألته لماذا لم تذهب وراءهم الى الباب لتودعهم ؟ لم يجب ودفع اليها يالمائة التى كانت لاتزال فى يده ثم استدار ذاهبا الى غرفة النوم...... امضى ليلة يتقلب فيهاعلى جمر متوهج ذهبت فيه الافكار فى كل اتجاه ..... لم يكن مسرورا فى هذه الخطوة الجديدة فى حياته . مرة يحاول ان يقنع نفسه انه لم يسىء الى احد فلم يذكر اسما او لم يحمل مسؤولية اى شىء لبشر. اذا دع تقريرى هذا يكون سببا ليفتح عيون المسؤولين عن الخلل والخطأ عسى ان يبادروا فى اصلاحه.. ومرة يعود اليه ضميره يؤنبه بأن مافعله شىء لايقبله اى انسان شريف وان المال الذى اخذه هو مال حرام وتوقع ان تحل مصيبة بك او بزوجتك او احدا من اولادك.. عندما يصل به التفكير الى هذا الحد يقرران يلحق بعديله ويسترجع ما اعطاه......
وهكذا بذغ الفجر وهو فى صراع مرير آلام الامراض اهون منه خصوصا انه غاب عن صلاة الصبح التى لم يخسرها فى حياته الا نادرا ..ما ان صحى الاولاد يتضاغون ويتخاصمون كالعادة وامهم تفض خصوماتهم وتدبر امورهم لينطلقوا الى مدارسهم دون تأخير .. حتى انشغل عن التفكير فيما حصل البارحة ودلف الى روتين حياته المعتادة ، فلبس وتوجه لمدرسته دون ان يطلع امينة على ما اشغله وعاناه فى ليلته.
فى المدرسة عزل نفسه عن زملائه فلم يدخل غرفة المعلمين وامضى اليوم كله بين الحصص والباحة يقطعها جيئة وذهابا .. بل يتحاشى ان ينظر الى احد من زملائه مخافة ان يقرأ الزميل افكاره ويعرف ما فعل. كان ضجيج التلاميذ، بمقدار ماهو مزعج ، بمقدار ما هيأ له غطاء لاضطرابه وقلقه وابعده قليلا عن التفكير فيما جرى بالامس.
فى البيت بدى منهكا وغائبا فى تفكير عميق يقطع عليه استغراقه كلما كلمته امينة التى هى الاخرى بدت غريبة الاطوار والتصرفات بسبب هذه الحادثة الجديدة فى حياتهم ، ومع انها اقل تأثرا من زوجها لكنها تشعر ان شيئا غريبا طرأ على حياتهم ، مع هذا لم تشأ ان تتكلم مع عبدو فيما ينتابها من هواجس وافكار. اذ كيف قبلوا شيئا كانوا ينكرونه ويعيبون على من يفعله وما عسى سيحل بهم من نكبات ؟؟
لم يكلم احد منهم شريكه ولم يتعاملوا مع الاولاد كما هى عادتهم حتى ان شكران سألت امها هل من جديد حصل ؟ غيرت الام الحديث ثم نفت ان يكون قد حصل اى شىء غير عادى .
حل المساء وأذن المغرب وبينما عبدو يصلى طرق بطال الباب وهرع الاولاد يفتحون له الباب ويستقبلونه ، ويسأل اين ابوكم انه فى باحة الدار يصلى وما ان وصل اليه حتى انتهى عبدو من صلاته ، بادره بطال هل كتبت؟؟ اجاب عبدو .. لا .. فأنا فى جحيم لم اعش مثله فى حياتى . احس كأنى ارتكبت اثما عظيما وجرما كبيرا ، لا ا ريد ان استمر. هون بطال الامر عليه بقوله: كل شخص يدخل مجال عمل جديد يضبق صدره ويحس انقباضا ناتجا عن الجو الجديد والبيئة التى لم يعتادها من قبل لكن الامر لايلبث ان يتلاشى ويضمحل مع مرور الوقت فالاستمرار يخفف هذا الشعور بل يخفيه ويتبدل بسعادة خصوصا كلما احس بتحسن حالته المادية والنعمة التى ستدخل فى حياتك ، ان النعمة ستغير مشاعرك واتصور انك ستتأسف انك لم تطرق هذا الباب من زمن طويل ، ثم انك بعد فترة قصيرة لن ترضى بهذا المستوى من سلم الوظائف عندنا بل سترتقى سلالمه وادواره حتى ترتفع للمستوى الذى يحقق لك ما تصبو اليه من مركز كبير ودخل وفير ونعمة تحسد عليها ، لا تنسى ان الكثير من اصدقائي يتهافتون علي يريدون ان أزكيهم ليدخلوا هذا المضمار ذو العمل القليل والدخل الوفير.. ونادى على الابنة الكبرى .. هات لابيك ورقة وقلم.. وكان عبدو كالمخدر والمحتار بين ضغط الحاجة مع تعب العمل وبين الحرام ووفرة الدخل.. وكتب كالنموذج السابق هذا اليوم عن الفليفلة.. ماذا حل بمحصولها الذي يكاد يغطي فيما سبق كافة الدول المجاورة لكن الان أصبحت كالادوية اسعارها غالية ووجود الجيد منها نادرا حتى ليقال بأن معظم الانتاج يهرب إلى الدول المجاورة.
ووقع (المواطن الصالح) وسجل التاريخ ونقده مائة وغادر على عجل.
سارعت امينة وفتحت يدها باسمة.. ألا ترى؟! واخذت المائة ودستها في صدرها وغاصت في اعمال البيت وخيالاتها كيف ساهم صهرها بطال في هذه الخطوة.. سهلة ومريحة بلا عناء.. ليته اقنع عبدو بذلك من زمن بعيد.
مع الايام قل اهتمام عبدو بما يفعل واصبح بالنسبة له روتينا سهلا بعد ان كتب لاسبوعين عن كل المواد الاستهلاكية والمعيشية وبطال ملتزم بالمواعيد في وقتها ليستلم التقرير ويدفع نقدا.. ومشت الامور بسلاسة وسهولة وكاد ان يتغير مفهوم الحياة في نظره ونظر زوجته واصبحت احاديثهما اكثر نعومة خصوصا بعدما اشتروا من جار لهم غادر للعمل في احدى دول الخليج تلفزيونه القديم وثلاجته المتوسطة وغسالة أكل الصدا اطرافها ومن سوق الاحد سجادة اعتبروها لقطة.. لقد وجدوا في مسلسلات التلفزيون مادة للاحاديث العائلية احيانا والرومانسية احيانا اخرى.. وبدات امينة تتكلم عن اناقة هذه الممثلة وافضل المغنين والمغنيات واصبح الجميع يداومون على المسلسلات ويحسبون الاوقات لمواعيدها.
احتار عبدو عما يكتب.. جفت القريحة واقفلت الذاكرة عن ماذا يكتب فخرج يتمشى في الحارة.. رأى ابو احمد جاره البقال عائد الى بيته.. كيف حالك يا جار.. اجاب الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .. قالها وتعابير وجهه لاتخفي غصة في حلقه.. ما بك يا ابو احمد.. انطلق ابو احمد في بث شكواه لجاره الذي عاش في جواره اكثر من 15 سنة في مودة وحسن جوار حتى كأنهم أقرباء .. ماذا اقول؟.. الشكوى لغير الله مذلة والله ما مر علي اسوا من هذه الايام.. افتح المحل من الصباح حتى المساء ولا ابيع شيئا .. ليس عندي ما ابيعه.. بدأت استهلك من رأس مالي.. من فضل الله ان محلي ملكي والا لو كنت مستأجرا من الغير لرماني المالك في الشارع من زمان.. ماذا افعل وعائلتي كبيرة ومصروفها كبير ولم يعد في الجو ما يبشر بخير فكل يوم اسوا من قبله.. اليوم سكرت المحل بكير من ضيق خلقي ونفاذ صبري.. متعجب الى متى سيبقى الحال على ما هو عليه وربنا يجيرنا من الاعظم.. هل في نظرك ما يمكن ان يحسن الحال.. قالها بلهفة.. اجابه عبدو العلم عند ربي .. عاد ابو احمد يقول .. لازلت اذكر ايام الاستعمار الفرنسي والحرب العالمية الثانية.. صحيح كنت صغير لكن كنت أوعى الى ما يجري .. لم يمر علينا مثل هذه الايام .. الناس كانت متكاتفة متعاونة.. اليوم كل شيء سيء.. لا حول ولا قوة الا بالله.. حاج اوجع لك رأسك لا شك ان عندك مثل ما عندي.. لكن انت موظف في اخر الشهر تستلم راتبك ومهما كان قليلا لكن الحصوة تسند جرة كما يقال.. وانت ابن حكومة.. وتبادل الرجلان ابتسامات باهتة وغادر ابو احمد وقدحت فكرة في رأس عبدو وسجلها في تقريره يريد ان يساهم في اصلاح ما اشتكى منه ابو احمد وكان حريصا بعدم ذكر الاسم.. اقتصر على الاشارة غلى ان الجار ابو احمد يشتكي من جمود الحال الاقتصادي ومعاناته من وقف الحال.
كالعادة جاء بطال واخذ التقرير اليومي الذي كان اقصر من اللازم.. مر عليه سريعا بنظره وهز رأسه مع تعليق صغير.. التقرير دسم هذا اليوم ونقده التعريفة اليومية وغادر بعد ان ترك عنده امانة ان يسلم له على الجميع ومنهم ابو احمد الذي يرجو له عون الله ومساعدته بقوله (كان الله في عونه).
في الصباح حيث يستيقظ عبدو ليدلف في ملابسه للمدرسة.. سمع امينة تقول .. مالك اليوم كان شخيرك كالطاحون.. ناديتك مرتين لتصلح وضعك عسى أن ينقطع او يخف شخيرك لكنك كنت في واد عميق.. الم تسمع الضجة.. أية ضجة؟.. قالت تسلق بعض منتصف الليل الأسطح عدة عناصر امن مسلحين.. تلاه صراخ وعويل ام احمد واولادها يستغيثون برجال الامن الذين انتزعوا ابو احمد من فراشه واقتادوه وهو وجميع افراد عائلته يتوسلون الا ان المخابرات قالت انه مطلوب للشهادة لبضع دقائق.. وما الذي حصل؟.. ابو احمد ذهب معهم واولاده لم يذهبوا لمدارسهم وام احمد مسكينة كالمجنونة.. تدعو على من كان السبب.. سألها عبدو.. اخاف ان احدا قد اشتكاه.. فالبارحة كان مضطربا وناقما واشتكى لي من سوء الحال وقال انه اغلق المحل قبل موعده المعتاد لعدم وجود زبائن او بضاعة عنده ليبيعها.. الله يهديه اخاف انه حكى ما قاله لي لأحد من المخبرين.. وهنا قدحت في رأسه خاطرة لكنه خاف ان يجهر بها.. لعل تقريره .. لكن هو لم يذكره بالاسم قال (جاري ابو احمد) ما اكثر جيراني والكثيرين منهم يحملون نفس الاسم ابو احمد.. وادركه وقت الدوام للمدرسة.
امضى يومه لم يدخل الادارة بل بقي في باحة المدرسة كالساعي او الملسوع.. يتقلب من زاوية الى اخرى.. مرة يتثاقل في مشيته ومرة يغز السير مسرعا كانه على موعد.. يريد ان ينتهي النهار ليرى عديله بطال يستفسر منه عن جاره ابو احمد.. كان الوقت بطيئا ومقلقا.. عافت نفسه الطعام ولم يجلس كعادته امام التلفزيون الابيض والاسود يتابع مسلسلا شوقته احداثه لقصة حب ساخنة بين اولاد الجيران.. نادته امينة ليشاطرها متابعة المسلسل لكنه اعتذر وبدى مضطربا.. مابك؟
لا شيء.. هل هناك من اخبار عن ابو احمد..لا.. المسكينة.. اولادها في الشارع وهي من بيت شقاع لبيت رقاع تبحث عمن يأتي لها بخبر عن زوجها.. اين هو.. وما سبب اعتقاله.. وقد رجوت الاولاد ان كانوا بحاجة لشيء ان يطلبوه منا فنحن اهل لكنهم اعتذروا.. وأنا ما اعرف كيف اتصرف معهم.. هل تستطيع ان تخدمهم وتسأل لهم عن ابيهم.. هل بطال يستطع؟!.. عبدو يسمع حاضر الجسم غائب العقل.. لم بنبس ببنت شفة.. يعد الدقائق ويعيد السؤال كم الوقت الان.. ثم يعيد السؤال بعد دقيقتين فتسأل امينة مابك تسأل عن الوقت كأن وراءك موعد مهم.. واخيرا جاء بطال
هرع عبدو اليه واخذه بعيدا عن مسمع الاولاد وسأل بلهفة ..هل تعرف شيئا عن جارنا ابو احمد؟ لقد جاء المخابرات ليلا وأخذوه.. كان عبدو منفعلا ومرتعشا وعيناه محمرتان تستجديان العون والاخبار .. قال بطال يهدوء قاتل .. مالك منفعل هكذا؟؟ الرجل عندنا فى القسم يستفسرون منه عما قاله البارحة .... صاح عبدو برد فعل متسائلا.. لمن قال ؟ والله انا خطر فى بالى انه لابد قد تحدث مع احد المخبرين وهو لايعرف انه جاسوس .. قهقه بطال .. قال لا لم يحدث احد انه تقريرك .. تهالك عبدو وفقد توازنه ورأى الدنيا تدور حوله وكاد ان يسقط ارضا .. اسود كل شيء في عينيه.. انا.. انا.. انا.. صار يصيح كالمجنون .. وا أسفاه على عشرة عمر مع جاري الذي عشت معه دهرا اعز من الاهل واحب من الاخوان.. لقد خنت العيش والملح يا سواد وجهي ماذا افعل؟.. كيف اعتذر؟!وبدا يصيح كالذي اصابه مس من جنون او نوبة من هيستيريا.. جاءت تركض نحوهما امينة مرعوبة تستفسر ماذا حصل .. بهدوء وبرود اجاب بطال ما ادري سببا لهذه الورشة والزيطة والزنبليطة التي يفتعلها عبدو.. الجماعة اخذوا جاركم ليسألوه ويستفسروا منه عما جاء في تقرير زوجك.. فغرت فاهها وفنجرت عيناها وصاحت بلا وعي.. وا مصيبتنا .. يا سواد وجهنا .. تدخل بطال يغير الحديث ما لكم يا جماعة .. مثل يوم القيامة.. واستدار تجاه عبدو هل كتبت تقريرك اليوم؟.. بصق عبدو على كل من يكتب.. هذا ما كنت اخشاه .. علينا ان نرحل من جوارهم.. علينا ان نغطي وجوهنا.. لا ادري.. لا ادري .. اتركنا في حالنا لقد بعت شرفي وتخليت عن مبادئي.. كل شيء ضاع حتى كرامتي .. لعنة الله علي عندما وافقت على ما كنت ارفضه كل عمري.. والتفت الى امينة .. اهذه رغبتك.. اهذا ما كنا نريد.. كيف سنصلح الامر.. ماذا نفعل.. استدار بطال وفص ملح وذاب.. وتركهم في هرجهم ومرجهم.. كانه يوم البعث والنشور.. يوم الحسرة والندامة.. يوم الحساب والعذاب.
في اليوم التالي جاء بطال مع زوجته يخففون وقع الحادثة على عبدو وامينة.. قال بطال يا اخي هل افتريت عليه.. هل كذبت في تقريرك.. اذن كيف ستعرف السلطة شؤون البلد والمواطنين.. وكيف ستصلح الامور إن لم نفتح عيوننا على المثالب والمشاكل.. لا تخاف ابو احمد في ضيافتنا لعدة ايام فم يجدوا عنده في التحقيق اي ارتباطات خارجية او علاقات مشبوهة وكلها كم يوم ويعود لأسرته.. سأل عبدو.. هل علم من اخبر عنه؟.. لا طبعا لأننا نحافظ على سرية المصادر.. لكن ان كان قد اخبر غيرك بهذا الكلام لاشك انه لن يعرف ان تقريرك هو السبب.. وكيف سيعرف هل ستخبره انك تكتب تقارير؟!..
ارجوك ان تخرج من مشاعر جلد الذات فإنك لم تفعل ما يعيبك.. قصدك هو اصلاح شان البلد والمواطن وهم لا يفعلون الا ذلك؛ فخفف عنك هذه المشاعر الشيطانية وعد كما كنت فقد سأل المدير اليوم عن تقريرك فاعتذرت بانك مزعوج ومريض.. لذا هات ورقة وقلم وكتب كالعادة.. صاح عبدو.. ابدا ابدا مستحيل .. قطع الله يدي ان كتبت تقريرا بعد الان على احد من خلق الله.. والله حتى ولا على عدوي.. لا، لا، دع مثل هذه الجرائم لغيري ممن لا ضمير يردعهم ولا وازع من خلق.. حاول بطا ل ان يعيد عبدو لما كان بشتى الوسائل وأمضوا شطرا من الليل وفشلوا . بدأ بعدها بطال :.. انك لا تعرف ماذا تفعل.. انك تغضب المسؤولين .. ماذا اقول لهم.. هل صحى ضميرك؟.. هل مت؟.. هل جننت؟.. انا لا اتصور ردة فعلهم فلم يستطع احد من الزملاء ان قدم استقالته او اعتذر حتى ولو تقاعد من الوظيفة فلن ينقطع عن تقديم التقارير .. واذا غضبوا على احد سودوا حياته وكرهوه عمره وارجو ان تفكر مليا قبل ان تتخذ قرارك.
اخذته عظمة النخوة واجاب عبدو فليفعلوا ما يحلو لهم والله لن اعود لهذا العمل الحقير.. لما يئس بطال رافق زوجته وانصرفا.
عصر اليوم التالي حضرت مفرزة امنية بسيارة جيب وطرقوا الباب.. كان لا يزال في ثيلبه التي جاء بها من المدرسة.. تبادلوا معه حديثا قصيرا رافقهم على اساسه بخشوع بل بذل ودلف سيارتهم وجلس بين عنصرين احدهما إلى يمينه والاخر إلى يساره.. مالبثوا ان وصلوا الفرع فانزلوه ودخلوا محيطين به لا يتكلمون وانحرف في الممرات يمينا وشمالا في وحشة مميتة ورائحة كريهة..
كل شىء فى هذا المبنى يبعث على الرهبة والخوف ، الالوان رمادية غامفة توحى بأنها سجن او ثكنة عسكرية من مخلفات الاستعمار الفرنسى ، الابواب التى مر امامها مغلقة يلفها صمت المقابر ، العناصر المتواجدة يتحركون كانهم اصناما فقدت انسانيتها... انتهى المسير الى باب مغلق ، احد المرافقين طرق على الباب ثم ادار الاكرة ودفع الباب وبدا الداخل عبارة عن غرفة مليئة بالكراسى الحديدية القابلة للطى موزعة امام الجدارين الجانبيين بينما الجدار المقابل ينتصفه باب آخر يقابل الباب الذى دخلوا منه ، ليس فى الغرفة احد ومنظرها يوحى كأنها للانتظار تابعنا السير داخلها بإتجاه الباب المواجه وتقدم احد الرافقين بطرق الباب حتى اذا سمعنا امرا بالدخول فتح الباب وقدم التحية العسكرية بقوله سيدى جبناه ، الشخص الموجود مدنى يجلس خلف مكتب فخم وحول الجدران تنتشر مقاعد جلدية وثيرة وتنسدل امام النوافذ ستائر قماشية سميكة بلون داكن مما يجعل الرؤية مستحيلة لولا عدة مصابيح موزعة فى السقف والزوايا اضافة لمروحة كهربائية ترسل امواج الهواء يسمع حفيفه يلطف الجو الكئيب الذى يلف السيد القاعد فى المكتب والذى يمسك بين اصابعه سيجارا ثخينا وطويلا مما يدل انه قد اشعله للتو وينفث دخانه فتعبق فى الجو رائحة التبغ وتملأ المكان.
ما أن رآنا حتى وقف خلف مكتبه مرحبا.... اهلا بالمواطن الصالح ، الحقيقة منذ اول تقرير قرأته من تقاريرك قدرت انك ثروة ثمينة لاتقارن بالاخرين واحببت ان اتعرف عليك لكن معذرة فأنا مشغول بشكل دائم وتركتك لبطال .. لاشك ان التعامل مع استاذ يختلف عن التعامل مع الاخرين الذين لايجيدون الكتابة والتعبير... انهم مما هب ودب ونحن لا نملك الا ان نتعاون مع الجميع.. ثم ابتسم ابتسامة لم احس فى حياتى بمثلها من الكراهية وقال ماذا نفول لمن يريد ان يخدم وطنه الا ان نحييه على مشاعره الوطنية المخلصة....
لفد حرمتنا من تقاريرك اليومين الماضيين فأحببت ان القاك لآتعرف عليك اولا واعرف السبب خاصة انها بدأت تثمر وبنفس الوقت ان اطمئن عليك عسى ان لايكون قد مسك سوء ... كان يتصنع ويتأنق فى اختيار الكلمات ولكنها كانت تثير فى نفسى الاشمئزاز والغثيان .. انتهى الى السؤآل : ما الامر ؟؟؟
كان عبدو فى رهبة من المكان والشخص الذى يعرف انه يتصنع العواطف الكاذبة والكلمات المزورة..ويحضر فى ذاكرته شريط كامل عن كل ما سبق وسمعه عن اساليبهم وبطشهم مع الناس حتى اجمع الكل على القول (داخلها مفقود وخارجها مولود) وما من احد يذكرهم الا اعترته رعشة الخوف والرعب.
احس عبدو بجفاف حلقه ورطب شفتيه بلسانه وحاول ان يتماسك وتشجع وقال: لاشىء سوى اننى وجدت ان ظروفى لا تناسب هذا العمل . رفع الضابط حاجبيه ولوى شفتيه وسأل متعجبا .. كيف؟؟
اجاب عبدو: انا معلم مدرسه ابتدائية والتزاماتى كبيرة واعمل وقتا طويلا يستنفذ طاقتى ولايبقى لى وقتا لاى عمل اضافى حتى اننى كثيرا ما احمل معى اوراق الاختبارات ودفاتر الوظائف للبيت لاصلحها مما يأخذ وقتى كله فلا اجد وقتا اصرفه مع اسرتى واولادى ، لذا اعتذرت عن الاستمرار. ترك الضابط لعبدو الحديث بدون مقاطعة حتى انتهى من كلامه ولم يظهر عليه الاعلامات التعجب والاستغراب ثم قال :
طيب كيف كان عندك وقت فاعطيتنا منه خلال الاسبوعين الماضيين ؟ لابد ان هناك سببا آخر فما هو ؟ هل لى ان اعرفه؟؟؟
بصراحة- لم يدر عبدو كيف فلتت منه هذه الكامة – لكن هزة الراس من الضابط ارغمته على المتابعة ، لقد اسأت لنفسى يإساءتى لجارى ... قاطعه من هو جارك ؟؟ ابو احمد؟؟
نعم فإن عشرتنا مع بعض كالأهل استمرت 15 عاما لم يشوبها اى مشكلة وإذا بى اسىء اليه بهذا الشكل . سأله: يعنى ألم يقل ما جاء فى تقريرك؟
لا... لا... لاكن ما قاله لايستحق ان يتعرض لما حصل...
المشكلة يا استاذ الناس لاتفهم ولا تتعاون معنا، نحن نحضر المطلوبين ليلا لئلا يراهم الناس ونسىء اليهم يإشاعات اعداءهم.. كما ان ما يؤذينا فى التحقيق ان كل من نسأله عما ينسب اليه مما يقوله للمخبر ينكره يريدنا ان نفقد الثقة بمصادرنا .. هل فهمت الحقيقة؟؟ وأنت الان تقول ان ماقلته فى تقريرك هو ما قاله لك بينما هو انكر لهذا بدأنا فى اجباره على الاعتراف ، ولو كنت مكانى ما تصرفت إلا مثلى...لكن الرجل لم يكن إلا متضايقا من وضعه ولم يسىء لاحد... بدى الغضب على وجه الضابط قائلا: يعنى انت توافقه على ما يقول... اذا كان حقيرا وحمارا لايقدر ظروف الوطن العصيبة التى نمر فيها وهذه الهجمة الامبريالية الشرسة من اسرائيل والاستعمار العالمى وهم على حدودنا ويتربصون بنا ويهدفون الى القضاء على هذا النظام الذى يخيفهم .. يريدون سلبنا الانجازات الضخمة والعظيمة التى تشهدها البلادفي جميع المجالات ويتمتع الشعب بها خلافا لكل شعوب المنطقة.. فماذا نريد اكثر من ذلك؟؟ حتى يصب واحد حيوان مثل ابو احمد (الفهمان اللى مو عارف ربه وين حاطو) جام غضبه. ألم يقض النظام على الاقطاع ؟ ألم يطبق العدالة على الجميع ؟ ووفر فرص العمل ، وقضى على التمييز فاصبح الجميع سوا سية امام القانون ؟؟ لذا وجب تفهيم هؤلاء القاصرين عقليا يالمنجزات الحقيقية والحضارية التى يتمتع بها جميع المواطنين ويحسدنا عليها جميع دول العالم واستغرب انك استاذ ولا تقدر ذلك ، نحن احضرناه – فهذا واجبنا – لافهامه خطأه وشرح الزوايا الخافية عليه فى مسيرة التطور والتقدم خاصة واننا فى القرن العشرين.. لابد انك تعرف ان اغنى دولة عربية- السعودية – تعيش حالة يرسى لها، صدق ان اكبر المسؤولين فيها ابلغوا السيد الرئيس القائد انهم يتمنون ان يستطيعوا ان ينفذوا مثل هذه الانجازات الهائلة فى ظروف بلدنا المحاصر من كل الجهات ، تصور فى السعودية البطالة المنتشرة بين الشباب السعودى شىء مخيف.. لبنان .. هل ذهبت الى لبنان؟؟ لو ذهبت لوجدت اللبناتيين بدون اعمال لذلك معظمهم ترك البلد الى دول الغرب للبحث عن لقمة العيش علما بان لبنان كان زهرة العالم العربى .. روح شوف اللبنانيات يتسكعن فى الشوارع يبعن انفسهن من اجل العيش. ماذا تريدنى ان احدثك اكثر ؟؟ ان جميع الشعوب العربية يحسدوننا على ما نتمتع به فى ظل هذا الرئيس الملهم الذى لاينام من اجل ان يحقق لهذا الوطن الكثير.. ولكن الشعب السورى- لااقول كله - بل الموتورين منه والحاقدين - لايعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب .. لأن فتاة الحى لا تطرب ، والانبياء لايحاربهم إلا ا قوا مهم ... والان اريدك ان تعود لتمتعنا او على الاقل لتمتعنى انا شخصيا بتقاريرك .. فإن لك خط جميل وتعابير رائعة وشمول نظر واسلوب سهل مفهوم... نريدك ان تضم جهدك إلى جهد الجميع هنا من اجل المحافظة على الوطن أمام التهديدات العالمية وابواق الرجعية والحاقدين من هذا الشعب.. الحقيقة يا استاذ عبدو .. فى ناس لو يطلع بإيدي لافرمهم واطعمى لحمهم للكلاب .. خصوصا أؤلائك عميان البصر والبصيرة الذين لايقدرون النعمة التى نتمتع بها .. يا اخي شوف الامن والامان الذين يعيشهم الشعب .. وهذا الحب الذي يظهره الشعب الطيب تجاه السيد الرئيس القائد... فما رأيك؟؟
والله ياسيدي اتمنى لو استطيع الاستمرار لكن نفسى لم تعد تطاوعني وأرجو ان تعذرني ما ان وصل عبدو الى هنا حتى صاح الضابط كمن لسعته افعى شو على كيفك هذه مصلحة الوطن ، ولا تحرجني فأعتبرك واحد من اثنين : إما كذبت على لسان الرجل ، او انك شريكه في افكاره السخيفة وإنتقاداته التافهة الحاقدة.. لقد بدأت افقد صبري معك وانت( كالشرموطة ترغب فيك وتدلل عليك).. روح بقى اكتب وإلا..... ودق الجرس امامه ودخل الافراد الذين ينتظرون في الغرفة الخارجية .. قدموا التحية العسكرية وقبل ان يعطيهم أوامره .. سأله هل ستكتب أم لاتزال ترفض وراكب راسك؟؟
اجاب عبدو بلهجة المتوسل ... ياسيدي ارجوك ان تعذرني فأنا في عذاب نفسي لايطاق... انفجر الضابط وقال خذوه الله لايرحمو حتى يغير رأيه ...
سحبه الجنود بوحشية وأخرج من المكتب وعادوا به في نفس الممر لكن قبل الاخير انعطفوا لاتجاه آخر حيث الابواب متقاربة وسميكة وفي وسط كل باب في الاعلى زلاقة خشبية سميكة يمكن تحريكها لليمين واليسر لتفتح خلفها نافذة صغيرة يغطيها شبك حديد ليتحدث السجان مع المسجون او ليطلع عليه ماذا يعمل . جميع الابواب مغلقة الا آخر واحدة في نهاية الممر.. دفع فيها عبدو واغلق الباب خلفه فأصدر صريرا يصم ألآذان
ما هي إلا برهة حتى فتح عليه الباب مرة اخرى فبرز امامه عسكريان ضخمان يتأبط كل منهما كرباجا ينتهي بحبل طوله حوالي نصف متر في رأسه عقدة بحجم كرة صغيرة وسحبوه الى (المختبر ) حيث يحللون افكاره ويستخرجون بجدارتهم خلاصتها من اعماقه تحت ( دغدغة ) السياط و( ألحان) الكرابيج ممزوجة بأصواته التي تحاكي عواء الذئاب والكلاب .....
ما أن بدأ الابطال معركتهم معه فانطلق يستغيث بكلمات يرق لها جلمود الصخر الاصم. . ممذوجا ببكاء كالاطفال .. وهم يزيدون ضغطا كأنما يثيرهم فتأخذهم العزة بالاثم حتى انتهى بين ايديهم فوقع مغميا عليه فتركوه وخرجوا يأخذون قسطا من الراحة قبل ان يعودوا عندما يعود لوعيه.......عندما افاق .. جعل يدعو الله على من كان السبب .. ويستجير بالله ان يلهمهم ان يعتقوه .. وكم جاءته فكرة ان يعود ..ما يلبث ان يستغفر الله ويستبعد فكرة رسخت في باله بأن ما يتلقاه هو جزاء مما سببه من أذى لجاره.
لايدري بعد كم من الزمن فتح عليه الباب من جديد ودخل عليه عنصران لايحملان شيئا في ايديهما واقتادوه الى ضابط آخر ..سأله..هل ستعود ؟؟ عاد للتوسل ومحاولة اقناع الضابط بما يراه منطقا والضابط كلما ذكر عبدو اسم الله رد عليه الضابط دع الله يخلصك .. ويكر بكفر تعف النفس ان تتذكرها او تلفظها.. حتى ليصعب التصديق انه مسلم ولو بالاسم واستمرت المسرحية الحزينة بين سجين لايملك سوى الاستغاثة والاسترحام، وضابط لايعير ما يسمع اي اهتمام .. يبدو انه اقتنع بأن عبدو مصرا على عدم التعاون والعودة الى كتابة التقارير قال :
اسمع ياحقير ..تظن نفسك اذكى مننا؟ انت أخذت منا 1400 ليرة سنطلق سراحك ان ارجعتها وفوقها 50 ليرة عقوبة ..عقدت الفرحة لسان عبدو وبدأ يحمد الله ان استجاب دعاؤه فقال فورا:نعم قال هاك الهاتف إتصل بمن تريد ودعهم يحضرون (المصاري) حتى ندعك تنقلع غير آسفين عليك وعلى جبان حقيرمثلك... وغادر الضابط المكتب ليتيح له حرية الكلام .. وما شك انه يتنصت عليه من خارج المكتب...
استغل عبدو نافذة الفرج التي فتحها له الله وما فكر لحظة بالحرج الذي سيسببه لنفسه عندما سيتصل ببيت جاره ابو احمد لأنهم الوحيدون الذين عندهم هاتف تعود ان يتصل بهم كلما احتاج ان يتصل ببيته من الخارج لامر اضطراري .. ولكن كيف سيكلمهم ؟؟ لم يتردد ابدا ورفع سماعة الهاتف وادار القرص ... ورد من الطرف الاخر بسرعة جارتهم ام أحمد.....
بدون تلعثم ولا تردد قال :- يا اختي ام احمد أنا أدفع ثمن ما اقترفت بحقكم وأنا الان مع ابو أحمد في نفس المكان وأريد ان تنقلي لآمينة أنني باق هنا حتى تحضر لي 1450 ليرة اتوسل اليك ان تبلغيها ذلك وسوف اشرح لك ما حصل . ان امينة تعرف كيف تتصرف وتعرف اين انا من عديلي وأغلق الخط... ماهي إلا سويعات حسبها دهرا حتى ظهرت أمينة وهي تبكي يرافقها بطال تقدمت من الضابط تنقده المبلغ المطلوب ... لقد باعت المسكينة كل ماشروه إضافة لاسورتين اهدتهما لها امها يوم زفافها كانت تحافظ عليهما ليوم اسود... بل ليوم ابيض يعيد لها ولاولادها رب اسرتها وبرائتهم من مال ودخل حرام.