تداعيات
تداعيات
يسري الغول
نثرت الجميلة خصلات شعرها المسترسل على كتفيها ،ودعتها تتراقص مع نسمات الهواء الشقية ، ثم أرخت جسدها فارع الطول على كرس قديم ذو أرجل ضخمة تتكدس عليه مجموعة من الرجال ذوي الشوارب المخيفة، مسحت بيديها لأحدهم على الشعيرات الخشنة أسفل الذقن لتصب ترنيمات الجوع على الفم الناعم .فينفث ذو الأنف المدبب بدوره النكات القبيحة، دون أن تعي بمخيلتها الصغيرة ما يجول بخواطر الثعابين المتهالكة على الجسد البض أو ملاحظة شيئاً مما يدور في دخيلتهم إلا من خلال عيونهم القائظة في أمسيات الحب اللاهبة التي لم تغفل عن واحدة منها مترنمة بعد ذلك بدواوين الحب و الغرام "لنزار".
*****
… و ذات ضحي بعيد أطلقت الحسناء لساقيها العنان غابت فيها عن أهلها أعوام قليلة اندثرت مع الرماد ، و لم تصل منذ حينها أي أخبار عنها.
تمددت الحسناء – التي لم تنسى حبيبها القديم – على فراش وثير يحتضنها عجوز تجاوز الستين ، ينشر برائحته شبق ذكريات مرعبة عن مجازر الحب التي شاهدتها قبل أعوام على أعتاب مسلسل أجنبي حديث تركها تقلد أحداثه بدقة متناهية لتبحث عن نهاية جديدة لهذا المسلسل دون أن تعلم أحدا بما يجول في خاطرها سوى أن تركب برأسها البحر و تنطلق حيث إغداق النعيم و صحبة الرجال الذين يدخلون البيوت من أبوابها في ليالي العشق البعيدة .
*****
الرجل الذي بات يذكره الجمع مع ترنيمات المساء المتعبة – مطلقين لألسنتهم العنان بالحديث مسهبين عن بطولاته الأثيرة مع النساء – وجدت جثته قبل اشهر خريفية أليمة في مجمع كبير للقمامة . لكن المفاجئ في ذلك كله أن أحدا لم يكن يعلم انه ترك حشداً كبيراً يجابه به أعدائه في طرقات المدينة و أزقة المخيم طالبين الثأر عن صاحب الشرف الرفيع ، و الذي خاض نضالات طويلة حتى أزهق أرواح الخوف في ثنايا الغرف الواسعة على نساء تركت الرفاق يعبثون بأجسادهن لصبغ البطولة مع سيمفونية الذكري الوطنية و الغضب .
*****
باتت المرأة التي تجاوزت السبعين – ذات الجسد المترهل و العيون الجاحظة – تضع على وجنتيها ألوان قزح القرمزية تاركةً هواء الحي يداعب خصلات شعرها المجعد بهدوء ، حتى أنها لم تمنعه من مغازلة فمها الواسع و ساقيها العريضتين إلا في حالات الخوف و التحام الصفوف معترضة بذلك عما تفعله بنات اليوم من ترك للمنديل في هذه الظروف التي يندى لها الجبين ، نافرة من موضة العصر و ملابس ( الخواجات) على أجسادهن الطرية و التي أحدثت ضجة في طرقات المخيم بين شبانه الثائرين .
*****
القبر المنمق بأجمل الزخارف و اللمسات ، باتت تجثو به الأجساد القاحلة و أسراب البشر الميتة .. ليصبح بعد ذلك الحين مزاراً للسياح المتلهفين لرويته بينهم الدليل صاحب الحكاية.
-.... و في الهزيع الأخير من الليل تكدست جوانبه برائحة عطر فاح أريجها مع نسمات أول رجل أقدم في البكاء على غريمته التي لم تتركه يهنأ بصحبتها ذات مساء قارص ، داعية إياه بالعودة إلى عشيقته اللعوب ذات الصدر النافر و الجسد المسوم بعلامات مميزة أعلى الفخذ لينطلق في نحيب طويل لا يهدأ إلا عندما يشعر بالأجساد التي تتقلب في التراب تصرخ و كأنها تطلب النجدة حتى تتماوج الأرض تحت قدميه تكاد تسحقه و تغطيه برائحة العفن ، ليترك المكان هارباً إلى البعيد دون أن يلتفت إلى بقايا الوطن الأليمة .
غزه- فلسطين