النوة...
أحمد ضحية
·
لم اعد اقوى
على احتمال المضايقات اكثر من ذلك ..
*.. اذن ستهاجر ؟
* انا بصدد ترتيب ذلك ..
* وعائشة ؟!..
*.............
* افكارك لن تروقهم .!...
منذ اجبت على اسئلة صديقك الوحيد ابراهيم , والحصار يشتد , ومع الحصار تعبر الملامح
عن نفسها . تكشف عن اشلاء عائشة التى مزق طيفها الحصار ...!...
اتخذ محمود مقعده جوارك فى البص الهرم . ولم يلبث ان نهض لامراة مسنة . اقترب
بنظراته المتسللة لزحام البص , المكتظ , من مفاتن الفتاة التى لم تجد مكانا للجلوس
. ودنا يلاحقها بين الزحام والعرق , الى ان اقترب كثيرا من الفتاة التى كانت قد
نهضت ................
ذكريات صداقتكما المنهارة .. نهضت من بين الاطلال , مشاعرك المائية تجاهه . فى
السكة التى جمعتكما الان . كصدفة , ربما غير مرغوب فيها ..نتف من اللحظات البعيدة
الهائمة , محطة اخرى وينتهى الامر !.........
كنت تظن انك ستهدم العالم وتشيده على نحو مختلف , وها انت تستعد للنفى الاختيارى
والرحيل . تمضى كنبى طريد , تترك خلفك المزاعم والهواجس والظنون . وكمهزوم تمر عبر
ثقوب التاريخ , تصطحب الدراويش بلباسهم المرقع , وتتسلل مسارب الايديولوجيا . فى
قاع المدينه . تقودهم الى ميدان جامع الخرطوم الكبير
تلتفت خلفك : " لا احد " .. تعزى نفسك باشلاء طيف تتلاشى فى الذاكرة , لتبقى فى
الوجدان قبض الريح !... تخاله شيئا من الحنين الى الحنين , او لوعة مختلسة فتوغل فى
الرحيل .........
وكبرق يضىء فجاة وينطفىء . تمضى عائشة تخلف وراءها اشتات من الرماد , وبوح يتلف
الدواخل ........
كانت عائشة الورد والسنابل والمطر الاليف . دون رعد او صواعق . .. تواصل لميلاد
اشياء يلفها الصمت ويحويها الامل , ونهايات جديدة .......
شهد على لقاءنا الاول عصفور الجنة الملون , فى الفناء الخلفى . فامتلات دواخلنا
بالاغنيات .. بحنا للجهنمية الحمراء .. فداعبت وجهينا بغصنها الفارع .........
* سانجبك اطفالا بعدد هذه الاوراق ...
تقول فتضحك عائشة بخفر ودلال ....
* ساسمى البكر محمود . .. صديق اخى ..... صديقى .......
*لا ساسميه ابراهيم على صديقى انا ...
وتقرصك فى عضلك فتعضها فى حلمة الاذن .. تنثر الجهنمية الحمراء الطل . تتساقط
اوراقها
·
·
·
. وبقايا
من شذى سرى يضوع فى العروق والاوردة .. يتهشم قصب عش القمرية فى قلب الجهنمية .
وتداعب اغصانها وجهيكما ... شذى لا مبال تختلسانه فى غبطة حميمة .........
بحنا للغفير العجوز بسرنا الذى ولد فجاة . يعلن عن ارق بواح . للافاريز , النجوم .
الشجر . والحبيب الحبيب .. انسحب الغفير الى كوخه اقصى سور الفناء . تاركا خلفه
ابتسامة واسعة . لقلب توحد فى ماض بعيد . احاطنا به . تقلص القلب .. يبصم على فضاء
المكان .. تقلص اكثر فاكثر , يوحدنا فى رحمه .. تمتص غرفه الدم المندفع اكثر فاكثر
ليرتخى القلب شيئا فشيئا .........................
لكن كان الطريق لاتجاه واحد . كحلزونين تؤام , قذفهما الموج . يكابدان حر صيف لاهث
. طاردتنا الشائعات .. تناثرت الاقاويل . اشتد حر الصيف على آكام فناء مهجور , يفضى
الى شاطىء منحسر , تهورت عائشة .. غاصت فى اللجه .. انحسرت دون ان تمسك بالنداء
........
كان العوازل يقودهم محمود قد لغموا كل مكان . نظر غفير الفناء بوجهى فى حزن وأسى .
رمقنى الجيران فى الحى بارتياب وقلق .ورفض جارنا الملتحى ان يدس يده معى فى الطعام
..كنت مثخنا بالجراح كنبى طريد , يتوهم غربته فى نوة . تجذبه الى مركزها . فيهيم فى
اختناق اخر المعجزات !...
ما ان جلست على مقعد البص . حتى جلس محمود جوارى . كنا كشخصين لم يحدث لهما ان عرفا
بعضيهما ابدا . وددت لو اساله لماذا فعل بنا ما فعل .. فداهمنى بالسؤال :
* سمعت انك تركت العمل ؟ !..
*..............
وعلى سفر.. لماذا ....
* لانه الشىء الوحيد الذى استطيع فعله حتى لو تآمر الاخرين لمنعى ....
كان البص يسير ببطء . والزمن بداخلى يتسحب , والذكريات تمضى بخطى وئيدة . وعائشة
كتظاهرة عرمرم , يملا هتافها راسى .. قلت لابراهيم
* اعادت عائشة خطاباتى . واعطيتها الفراشه المحنطة التى اهدتها لى . عندما التقينا
اول مرة ..
* بهذه البساطة ؟
* ............
* وصديقكما محمود ؟..صديق العلاقة ......
* قفز على العلاقة !...
* لقد حذرتك منه لكنك لم تنتصح ..
* اعط للنفس البشرية عذرا .
* انها جريمة !..
* سيتزوجان عما قريب .
* وانت ستسافر لوحدك ؟
* لا ادرى ........
رمقنى محمود بخبث . تارجح بشدة مع اهتزاز البص , فى احد المطبات . اقترب من الفاتنه
اكثر فاكثر ...........
·
·
·
·
·
قلت لعائشة :
* كيف تتخذين مثل هذا القرار وحدك ؟ .........
* ......................
* اين ارادتك ... ايمانك بى ........حبنا ........................
* لقد انتهى كل شىء ..انت لا تستحق......
كضربة رمح . موصل الى تيار كهربائى باغتتنى عبارتها . فلم اصدق ...
* ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
*...................
ومضت مثل اخر لمحة , مخلفة وورائها , اشتات من الرماد والدخان والحريق .. تركتنى
للحزن والاسى .. عائشة صارت كشوكة ناتئة بداخلى , تخزنى بقسوة , كلما استعدت شيئا
من الذكريات !............
جذبتنى النوة الى قلبها . تفتت . تجزات . صرت جزا من غربة الريح ............
تنهد البص فاخذت ملامح محمود ترتخى . وتتهدل واكثر فاكثر يدنو بجسمه من الفاتنه
التى اخذت تتململ فى وقفتها .......و,,,,,,,,,,,,شقت صرخة حادة , خرجت من بين
الترائب المثقلة . فضاء المكان . حين شعرت بجسمى يطوح فى الهواء .. تعالى لغط وهرج
ومرج, ولم اعد افهم شيئا .............
كان محمود يقف كالفرخ المبلل بالوحل ..يبحث عن الفاتنه بعينيه الزائغتين ........