الانقلاب الأبيض
سعيد عبيد
تفقد الملك حاشيته، فغمغم و قال: " مالي لا أرى الحمار؟ أجرؤ أن يتغيب؟"
ظهر عليه الغضب الشديد، فأفرغ كأسا أخرى في جوفه، ثم قال و عيناه تلتمعان: " لأعذبنه عذابا شديدا، أو لأذبحنه و أبيد ذريته جميعا، و لن أقبل منه عذرا مهما يكن". غير أن الخنزير – و كان آنذاك يشغل منصب وزير الداخلية و شؤون البلاط – هون من الأمر، و قال بعد أن طلب الإذن: " لا تدع حمارا يثير أعصابك و يقلق راحتك يا مولاي". و أردف و هو يتطوع بصب كأس أخرى: " و فيم عسى الحمار ينفع؟ " ثم أضاف ليبعد عنه كل تهمة بعد أن أحس بعيون بعضهم تسترق إليه النظر من طرف خفي: " اللهم لا حسد، اللهم لا حسد... كأس أخرى يا مولاي؟"
في نهاية السهرة قبيل طلوع الفجر، سمع الجميع مذهولين أوامر تتكرر بانتظام في غاية الوضوح و الجرأة: " أيها الملك، أيها الوزراء، اخرجوا واحدا تلو الآخر بلا عناد و لا مقاومة متهورة. كل واحد يضع يديه على قفاه، و يطأطئ رأسه، و يخرج القهقرى بهدوء. أية حركة طائشة تردي صاحبها صريعا في الحال... استسلموا، القصر محاصر من كل الجهات، و كل المنافذ مراقبة، و مقرات الوزارات تمت السيطرة عليها كافة بشكل محكم".
أطل الملك مصدوما عبر النافذة المذهبة؛ كانت ميليشيات مشتركة من الحمر الأهلية و الوحشية تطوق المكان، و كان الحمار الذي تغيب خلف سيارة عسكرية رباعية الدفع، يلبس زيا عسكريا، و يمسك المكبر، و يردد الأوامر بثبات، و ليس في لكنته أثر للنهيق قط.