مجرد شعارات!!!

مجرد شعارات!!!

كريمة منيفي

[email protected]

فجأة  ساد الصمت و اكفهرت الوجوه ما بين واجم و متسائل و خائف و محتد، فحينما ضربت بيدها على الطاولة -أثناء الاجتماع القصير- قائلة بحزم و بعينين حاديتين : سَيُنفذ كل ما أقوله بدون نقاش ، لسنا في موقف يتطلب الديمقراطية!!

لم ينبت أحدهم بكلمة واحدة و لم تنفرج شفاه أحدهم ليعترض أو يتساءل!! هم هكذا يُتقنون القول و النقد خارج الدائرة، و ما أن يكونوا في حلبة النقاش يصبحون أناساً آخرون .. يتخلون عمن يبدأ في الاعتراض و القذف بالكلمات ويلومونه.. ومن ثم يؤيدون ما تقوله بالكلمة و الحرف و كأنها معصومة من الخطأ .. فإما الصمت في هذا المكان أو المغادرة ، و كما يقول المثل "فخار يكسر بعضه"  هذا ما حدَّثت به نفسي متابعاً الجميع بنظراتي  .. فيما بينهم هي.

*    *    *

ستذهب الآن لتباشر العمل مع الموظفين الجدد . قالتها مخاطبة أحمد و ستفيدني في تقرير نهاية اليوم بكل التفصيلات، أتمنى أن يكون إيجابيا مثلكم!! قالتها بنظرة ساخرة رمقت بها الجميع . و توجهت إلى عصام قائلة : فلتبدأ في إعداد التقرير النهائي للمشتريات، و متابعة الأنشطة الجديدة ولا تنس الاتصال بمهندس الصيانة بخصوص مولد الكهرباء.

و اختتمت جلستها بـ : أشكركم لحسن استماعكم و انتماؤكم يمكنكم الآن الذهاب لمتابعة العمل .. و أتمنى عليكم عدم التوجه لأسلوب الثرثرة الجانبية التي لن تجدي شيئاً خصوصاً معي. أتمنى أن أسمع الاعتراض هنا و ليس في زوايا المؤسسة .. وثناياها ..

 و أنتِ يا هند فلتبقي قليلا هنا .. لتعممي على الجميع عدم الخروج عن فلسفة المؤسسة و اتباع جميع التعليمات الصادرة..

*    *    *

لقد شوه هذا التوتر وجه الصباح، و تقاسيم غرفة الاجتماعات التي تطل على حديقة جميلة، يعبث بأشجارها النسيم العليل. فالوقت مازال صباحاً و الطيور مازلت تغرد بأناشيد الصباح .. يمكن ملاحظتها من الشباك الواسع ذو اللون الأزرق المريح .. لم تكن نفسيات الموظفين مريحة كجو الغرفة ولا مرتاحة كعصافير الصباح.. بل كانت تموج كبحر هادر أو كمقدمات بركان سينفجر عما قريب..

*    *    *

بدأت الكراسي تترنح واحداً تلو الآخر و الكل متوجه إلى عمله إلا أنني ذهبت إلى المطبخ و لحق بي عمر  ..

-       ألم تقل لنا اذهبوا لأعمالكم ؟! (خاطبني ممازحاً)

- لقد خاطبتكم أنتم وليس أنا .. سأحتسي كوباً من الشاي لأعيد لنفسي ثقتها التي غادرتني في هذه الاجتماع. أتريد كوباً أنت الآخر أم ما شربته في الاجتماع كان كافياً..!!

-         سعيد أنت تعرف أننا لا نملك شيئاً من أمرنا فنحن هنا رهن الإصبع فقط!

-          أنت يا صديقي رهن الإصبع، أما أنا فموظف مثلي مثلها و إن اختلف المنصب.. ألا تفهم ؟ أنا لا أعمل عندها أنا أعمل معها ، نحن زملاء .. أليس كذلك؟!ولكل منا رأيه و وجهة نظره.

ليس لها أن تفرض رأياً فقط لأنها تريد ذلك ..

-         أنت تعرف أنها ليست أول مرة و لن تكون آخر مرة .

-         بالنسبة لك لن تكون آخر مرة أما بالنسبة لي ستكون الأخيرة إن شاء الله .

-         ماذا تقصد .. هل ستقدم استقالتك؟!!

-         يا عزيزي حينما وطأت قدماي هذه المؤسسة .. تخدر عقلي بكل الشعارات المثالية التي كنت أتبناها و أتمناها .. حرية الرأي .. الشفافية .. الانتماء .. فريق العمل .. و أشياء كثيرة أخرى .. تهللت أساريري و كنت في سعادة لا تقاس حتى أنني حسدت نفسي .. و سرعان ما انقشعت هذه الغلالة الرقيقة عن وجه الحقيقة .. لاكتشف أنني واهم مخدوع ..!!

فيوماً بعد يوم أؤكد فشل هذه المؤسسة .. فلا يمكنني الإبداع هنا ..لأن الإبداع يحتاج مخالفة المألوف .

-         أنا أعمل منذ عشر سنوات هنا و تعودت أن أسمع و أنفذ .. لدي من الأبناء تسعة كيف سأعيلهم لو قلت لا؟! أما أنت فلك وضع آخر، قالها و انسل خِفية ذاهباً إلى مكتبه حتى لا يُوشى به .. تاركني أتحدث إلى نفسي:

-         نعم هذا مربط الفرس كما يقولون .. قل نعم لتعيش .. أما لا فهي إحدى أسباب قطع الرزق..

توجت إلى مكتبي بخطوات واثقة و خططت بيدي كتاب استقالتي و توجهت نحو مكتب مديرة المؤسسة وقلت لها بلطف هذه هي "لائي" الأولى هل تقبليها؟!

ولم أنتظر جواباً بل غادرت المكان و أنا أشعر بأنني ولدت من جديد..